فقمت فقرأت عليهم أربعين آية من براءة ثم صدرنا فأتينا منى فرميت الجمرة ونحرت البدنة ثم حلقت رأسي وعلمت أن أهل الجمع لم يكونوا حضورا كلهم خطبة أبي بكر رضي الله عنه يوم عرفة، فطفت أتتبع بها الفساطيط أقرؤها عليهم. قال علي فمن ثم أخال حسبتم أنه يوم النحر، ألا وهو يوم عرفة. وقد تقصينا الكلام على هذا المقام في التفسير وذكرنا أسانيد الأحاديث والآثار في ذلك مبسوطا بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة.
قال الواقدي (1) وقد كان خرج مع أبي بكر من المدينة ثلاثمائة من الصحابة منهم عبد الرحمن بن عوف، وخرج أبو بكر معه بخمس بدنات، وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرين بدنة ثم أردفه بعلي فلحقه بالعرج (2) فنادى ببراءة امام الموسم.
فصل كان في هذه السنة - أعني في سنة تسع - من الأمور الحادثة غزوة تبوك في رجب كما تقدم بيانه. قال الواقدي وفي رجب منها مات النجاشي صاحب الحبشة ونعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس. وفي شعبان منها - أي من هذه السنة - توفيت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلتها أسماء بنت عميس وصفية بن عبد المطلب، وقيل غسلها نسوة من الأنصار فيهن أم عطية.
قلت: وهذا ثابت في الصحيحين، وثبت في الحديث أيضا أنه عليه السلام لما صلى عليها وأراد دفنها قال: " لا يدخله أحد قارف الليلة أهله " فامتنع زوجها عثمان لذلك ودفنها أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه ويحتمل أنه أراد بهذا الكلام من كان يتولى ذلك ممن يتبرع بالحفر والدفن من الصحابة كأبي عبيدة وأبي طلحة ومن شابههم فقال " لا يدخل قبرها إلا من لم يقارف أهله من هؤلاء " إذ يبعد أن عثمان كان عنده غير أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا بعيد والله أعلم وفيها صالح ملك أيلة وأهل جرباء وأذرح وصاحب دومة الجندل كما تقدم إيضاح ذلك كله في مواضعه.
وفيها هدم مسجد الضرار الذي بناه جماعة المنافقين صورة مسجد وهو دار حرب في الباطن فأمر به عليه السلام فحرق. وفي رمضان منها قدم وفد ثقيف فصالحوا عن قومهم ورجعوا إليهم بالأمان وكسرت اللات كما تقدم. وفيها توفي عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين لعنه الله في أواخرها، وقبله بأشهر (3) توفي معاوية بن معاوية الليثي - أو المزني - وهو الذي صلى عليه رسول