الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب، فإذا لم يحضر كتب زيد بن ثابت، وكتب له عثمان وخالد بن سعيد وأبان بن سعيد. هكذا قال - يعني بالمدينة - وإلا فالسور المكية لم يكن أبي بن كعب حال نزولها، وقد كتبها الصحابة بمكة رضي الله عنهم. وقد اختلف في وفاة أبان بن سعيد هذا فقال موسى بن عقبة ومصعب بن الزبير والزبير بن بكار وأكثر أهل النسب قتل يوم أجنادين، يعني في جمادى الأولى سنة ثنتي عشرة. وقال آخرون قتل يوم مرج الصفر سنة أربع عشرة. وقال محمد بن إسحاق قتل هو وأخوه عمرو يوم اليرموك لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة. وقيل إنه تأخر إلى أيام عثمان وكان يملي (1) المصحف الامام على زيد بن ثابت ثم توفي سنة تسع وعشرين. فالله.
أعلم.
ومنهم أبي بن كعب بن قيس بن عبيد الخزرجي الأنصاري. أبو المنذر، ويقال أبو الطفيل، سيد القراء شهد العقبة الثانية وبدرا وما بعدها. وكان ربعة نحيفا أبيض الرأس واللحية لا يغير شيبه. قال أنس: جمع القرآن أربعة - يعني من الأنصار - أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، ورجل من الأنصار يقال له أبو يزيد أخرجاه. وفي الصحيحين عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي " إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن " قال وسماني لك يا رسول الله؟ قال " نعم " قال فذرفت عيناه. ومعنى أن أقرأ عليك قراءة إبلاغ وإسماع لا قراءة تعلم منه، هذا لا يفهمه أحد من أهل العلم، وإنما نبهنا على هذا لئلا يعتقد خلافه. وقد ذكرنا في موضع آخر سبب القراءة عليه وأنه قرأ عليه سورة * (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة) * وذلك أن أبي بن كعب كان قد أنكر على رجل قراءة سورة على خلاف ما كان يقرأ أبي، فرفعه أبي إلى رسول الله فقال: " اقرأ يا أبي " فقرأ فقال: " هكذا أنزلت " ثم قال لذلك الرجل " اقرأ " فقرأ فقال " هكذا أنزلت " قال أبي: فأخذني من الشك ولا إذ كنت في الجاهلية، قال فضرب رسول الله في صدري ففضضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله فرقا، فبعد ذلك تلا عليه رسول الله هذه السورة كالتثبيت له والبيان له إن هذا القرآن حق وصدق. وإنه أنزل على أحرف كثيرة رحمة ولطفا بالعباد. وقال ابن أبي خيثمة: هو أول من كتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد اختلف في وفاته فقيل في سنة تسع عشرة، وقيل سنة عشرين، وقيل ثلاث وعشرين، وقيل قبل (2) مقتل عثمان بجمعة. فالله أعلم.