قلناه من ظهور الخبرين في غير ذلك، فالأقوى حينئذ الأول، بل إن لم يكن إجماع كما عساه يظهر من نفي الاشكال عنه في كشف اللثام أمكن الاشكال في انعقاد النذر على المباح المقترن بما يقتضي رجحانه في الدين، كالأكل للتقوى للعبادة مثلا، لظهور النصوص المزبورة والفتاوى في العبادات الأصلية، فتأمل جيدا.
هذا وربما أشكل بعضهم بناء على عدم انعقاد النذر على المباح ما لو نذر الصدقة بمال مخصوص، فإنه يتعين اتفاقا، وكذا في مكان مخصوص، ففي خبر علي ابن مهزيار (1) " قلت لأبي الحسن عليه السلام: رجل جعل على نفسه نذرا إن قضى الله عز وجل حاجته أن يتصدق في مسجده بألف درهم نذرا، فقضى الله عز وجل حاجته فصير الدارهم ذهبا ووجهها إليك أيجوز ذلك أم يعيد؟ قال: يعيد " وسيأتي تمام الكلام فيه عند تعرض المصنف لمضمونه.
والغرض الآن أن المستحق هو الصدقة المطلقة أما خصوصية المال فمباحة، فكما لا ينعقد لو خلصت الإباحة فكذا إذا تضمنها النذر، ويقوي الاشكال حكم كثير من الفقهاء بجواز الصلاة المنذورة في مسجد معين فيما هو أزيد مزية منه، كالحرام والأقصى، مع أن الصلاة في المسجد سنة وطاعة فإذا جازت مخالفتها لطلب الأفضل ورد مثله في الصدقة بالمال المعين، وأجيب عنه بأن الصدقة المطلقة وإن كانت راجحة إلا أن المنذور ليس هو المطلق، إنما هو الصدقة المخصوصة بالمال المعين وهو أيضا أمر راجح متشخص بالمال المخصوص، والطاعة المنذورة إنما تعلقت بالصدقة بذلك المال لا مطلقا فكيف يجزئ المطلق عنه، ولأن الطاعة المطلقة ولا وجود لها إلا في ضمن المعين من المال والزمان والمكان والفاعل وغيرها من المشخصات، فإذا تعلق النذر بهذا الشخص انحصرت الطاعة فيه كما تنحصر عند فعلها في متعلقاتها، فلا يجزئ غيرها.
وبهذا يظهر ضعف القول بعدم تعين المكان المنذور للعبادة إن كان غيره أرجح، منه لأن ذلك الراجح لم يتعلق به النذر، كما أنه لو تعلق بعبادة مخصوصة