ليلا ونهارا، والمسلمون قد تيقنوا استيلاء الفرنج على البلد لما رأوا من عجز من فيه عن دفع الأبراج فإنهم لم يتركوا حيلة إلا عملوها فلم يفد ذلك ولم يغن عنهم شيئا وتابعوا رمي النفط الطيار عليها فلم يؤثر فيها فأيقنوا بالبوار والهلاك فأتاهم الله بنصر من عنده وأذن من إحراق الأبراج.
وكان سبب ذلك أن إنسانا من أهل دمشق كان مولعا بجمع آلات النفاطين وتحصيل عقاقير تقوي عمل النار فكان من يعرفه يلومه على ذلك وينكره عليه وهو يقول هذه حالة لم أباشرها بنفسي إنما أشتهي معرفتها وكان بعكا لأمر يريده الله فلما رأى الأبراج قد نصبت على عكا شرع في عمل ما يعرفه من الأدوية المقوية للنار بحيث لا يمنعها شيء من الطين والخل وغيرهما فلما فرغ منها حضر عند الأمير قراقوش وهو متولي الأمور بعكا والحاكم فيها وقال له يأمر المنجنيقي أن يرمي في المنجنيق المحاذي لبرج من هذه الأبراج ما أعطيه حتى أحرقه.
وكان عند قراقوش من الغيظ والخوف على البلد ومن فيه ما يكاد يقتله فازداد غيظا بقوله وحرد عليه فقال له قد بالغ أهل هذه الصناعة في الرمكي بالنفط وغيره فلم يفلحوا فقال له من حضر لعل الله تعالى قد جعل الفرج على يد هذا ولا يضرنا أن نوافقه على قوله فأجابه إلى ذلك وأمر المنجنيقي بامتثال أمره فرمى عدة قدور نفطا وأدوية ليس فيها نار فكان الفرنج إذا رأوا القدر لا يحرق شيئا يصيحون ويرقصون ويلعبون على سطح البرج حتى علم أن الذي ألقاه قد تمكن من البرج ألقى قدرا مملوءة وجعل فيها النار فاشتعل البرج وألقى قدرا ثانية وثالثة فاضطرمت النار في نواحي البرج وأعجلت من في طبقاته الخمس عن الهرب والخلاص فاحترق هو ومن فيه وكان فيه من الزرديات والسلاح شيء كثير.
وكان طمع الفرنج بما رأوا أن القدور الأولى لا تعمل يحملهم على