وبقي الناصر لدين الله ثلاث سنين عاطلا عن الحركة بالكلية وقد ذهبت احدى عينيه والأخرى يبصر بها إبصارا ضعيفا وفي آخر الأمر أصلبه دوسنطاريا عشرين يوما ومات.
ووزر له عدة وزراء وقد تقدم ذكرهم، ولم يطلق في طول مرضه شيئا كان أحدثه من الرسوم الجائرة وكان قبيح السيرة في رعيته ظالما فخرب في أيامه العراق وتفرق أهله في البلاد وأخذ املاكهم وأموالهم وكان يفعل الشيء وضده فمن ذلك انه عمل دور الضيافة ببغداد ليفطر الناس عليها في رمضان فبقيت مدة ثم قطع ذلك ثم عمل دور الضيافة للحجاج فبقيت مدة ثم بطلها وأطلق بعض المكوس التي جددها ببغداد خاصة ثم أعادها وجعل جل همه في رمي البندق والطيور المناسيب وسراويلات الفتوة فبطل الفتوة في البلاد جميعها إلا من يلبس منه سراويل يدعى اليه ولبس كثير من الملوك منه سراويلات الفتوة.
وكذلك أيضا منع الطيور المناسيب لغيره إلا ما يؤخذ من طيوره ومنع الرمي بالبندق الا من ينتمي اليه فأجابه الناس بالعراق وغيره إلى ذلك إلا انسانا واحدا يقال له ابن السفت من بغداد فإنه هرب من العراق ولحق بالشام فأرسل إليه يرغبه في المال الجزيل ليرمي عنه وينسب في الرمي اليه فلم يفعل فبلغني ان بعض أصدقائه أنكر عليه الامتناع من اخذ المال فقال يكفيني فخرا انه ليس في الدنيا أحد إلا رمى للخليفة إلا انا.
فكان غرام الخليفة بهذه الأشياء من أعجب الأمور وكان سبب ما ينسبه العجم اليه صحيحا من انه هو الذي أطمع التتر في البلاد وراسلهم في ذلك فهو الطامة الكبرى التي يصغر عندها كل ذنب عظيم.