ومنها ان العادة كانت ببغداد أن الحارس بكل درب يبكر ويكتب مطالعة إلى الخليفة بما تجدد في دربه من اجتماع بعض الأصدقاء ببعض على نزهة أو سماع أو غير ذلك ويكتب ما سوى ذلك من صغير وكبير فكان الناس من هذا في حجر عظيم فلما ولي هذا الخليفة جزاه الله خيرا أتته المطالعات على العادة فأمر بقطعها وقال أي غرض لنا في معرفة أحوال الناس في بيوتها فلا يكتب أحد الينا إلا ما يتعلق بمصالح دولتنا فقيل له إن العامة تفسد بذلك ويعظم شرها فقال نحن ندعو الله في أن يصلحهم.
ومنها انه لما ولي الخلافة وصل صاحب الديوان من واسط وكان قد سار إليها أيام الناصر لتحصيل الأموال فأصعد ومعه من المال ما يزيد على مائة الف دينار وكتب مطالعة تتضمن ذكر ما معه ويستخرج الأمر في حمله فأعاد الجواب بأن يعاد إلى أربابه فلا حاجة لنا إليه فأعيد عليهم.
ومنها أنه أخرج كل من كان في السجون وأم بإعادة ما أخذ منهم وأرسل إلى القاضي عشرة آلاف دينار ليعطيها عن كل من هو محبوس في حبس الشرع وليس له مال.
ومن حسن نيته للناس أن الأسعار في الموصل وديار الجزيرة كانت غالية فرخصت الأسعار وأطلق حمل الأطعمة إليها وأن يبيع كل من أراد البيع للغلة فحصل منها الكثير الذي لا يحصى فقيل له ان السعر قد غلا شيئا والمصلحة منع حمله فقال أولئك مسلمون وهؤلاء مسلمون وكما يجب علينا النظر في أمر هؤلاء كذلك يجب علينا النظر لأولئك.
وأمر أن يباع من الأهراء التي له طعام أرخص مما يبيع غيره ففعلوا ذلك فرخصت الأسعار عندهم أيضا أكثر مما كانت أولا وكان السعر في الموصل لما ولي كل مكوك بدينار وثلثي قيراط فصار كل أربعة مكاكيك بدينار في أيام قليلة وكذلك باقي الأشياء من التمر والدبس،