والله ما نحن في شيء أليس مصيرنا إلى ههنا وندفن تحت الأرض وأطال الحديث في هذا ونحوه ثم عاد إلى الدار.
فقلت له ألا نمشي إلى الباب العمادي؟ فقال ما بقي عندي نشاط إلى هذا ولا إلى غيره ودخل داره وتوفي بعد أيام.
وأصيب أهل بلاده بموته وعظم عليهم فقده وكان محبوبا إليهم قريبا من قلوبهم ففي كل دار لأجله رنة وعويل ولما حضرته الوفاة أوصى بالملك لولده الأكبر نور الدين أرسلان شاه وعمره نحو عشر سنين وجعل الوصي عليه والمدبر لدولته بدر الدين لؤلؤ وهو الذي كان يتولى دولة القاهر ودولة أبيه نور الدين قبله وقد تقدم من اخباره ما يعرف به محله وسيرد منها أيضا ما يزيد الناظر بصيرة فيه.
فلما قضى نحبه قام بدر الدين بأمر نور الدين اجلسه في مملكة أبيه وأرسل إلى الخليفة يطلب له [منهم] التقليد والتشريف وأرسل إلى الملوك وأصحاب الأطراف المجاورين لهم يطلب تجديد العهد لنور الدين على القاعدة التي كانت بينهم وبين أبيه فلم يصبح إلا وقد فرغ من كل ما يحتاج إليه وجلس للعزاء وحلف الجند والرعايا وضبط المملكة من التزلزل والتغير مع صغر السلطان وكثرة الطامعين في الملك فإنه كان معه في البلد أعمام أبيه وكان معه عماد الدين زنكي بن أرسلان شاه بولايته وهي قلعة عقر الحميدية يحدث نفسه بالملك لا يشك في أن الملك يصير اليه بعد أخيه فرفع بدر الدين ذلك الخرق ورتق ذلك الفتق وتابع الاحسان والخلع على كافة الناس وغير ثياب الحداد عنهم فلم يخض بذلك شريفا دون مشروف ولا كبيرا دون صغير وأحسن السيرة وجلس لكشف ظلامات الناس وانصاف بعضهم من بعض.
ويعد أيام وصل التقليد من الخليفة لنور الدين بالولاية ولبدر الدين بالنظر