وكان الملك الأشرف موسى بن الملك العادل بن أيوب قد سار من مدينة حران إلى رأس عين نجدة لقطب الدين صاحب سنجار ونصيبين وقد اتفق هو ومظفر الدين صاحب إربل وصاحب الحصن وآمد وصاحب جزيرة ابن عمر وغيرهم على ذلك وعلى منع نور الدين من أخذ شيء من بلاده وكلهم خائفون منه ولم يمكنهم الاجتماع وهو على نصيبين فلما فارقها نور الدين سار الأشرف إليها وأتاه أخوه نجم الدين صاحب ميافارقين وصاحب الحصن وصاحب الجزيرة وصاحب دارا وساروا عن نصيبين نحو بلد البقا قريبا من بوشرى وسار نور الدين من تل أعفر إلى كفر زمار وعزم على المطاولة ليتفرقوا فأتاه كتاب من بعض مماليكه يسمى جرديك وقد أرسله يتجسس أحبارهم فيقللهم في عينه ويطمعه فيهم ويقول إن أذنت لي لقيتهم بمفردي فسار حينئذ نور الدين إلى بوشرى فوصل إليها من الغد الظهر وقد تعبت دوابه وأصحابه ولقوا شدة من الحر فنزل بالقرب منهم أقل من ساعة.
وأتاه الخبر أن عساكر الخصم قد ركبوا فركب هو وأصحابه وساروا نحوهم فلم يروا لهم أثرا فعاد إلى خيامه ونزل هو وعساكره وتفرق كثير منهم في القرى لتحصيل العلوفات وما يحتاجون إليه فجاءه من أخبره بحركة الخصم وقصده فركب نور الدين وعسكره وتقدموا إليهم وبينهم نحو فرسخين فوصلوا وقد زاد تعبهم والخصم مستريح فالتقوا واقتتلوا فلم يطل الحرب بينهم حتى انهزم عسكر نور الدين وانهزم هو أيضا وطلب الموصل فوصل إليها في أربعة أنفس وتلاحق الناس وأتى الأشرف ومن معه فنزلوا في كفر زمار ونهبوا البلاد نهبا قبيحا وأهلكوا ما لم يصلح لهم لا سيما مدينة بلد فإنهم أفحشوا في نهبها.