عماد الدين قد استراحوا فقاموا أيضا معهم فحينئذ اشتد الأمر على الفرنج وبلغت القلوب الحناجر وكانوا قد اشتد تعبهم ونصبهم فظهر عجزهم عن القتال وضعفهم عن حمل السلاح لشدة الحر والقتال فخالطهم المسلمون فعاد الفرنج يدخلون الحصن فدخل المسلمون معهم وكان طائفة قليلة في الخيام شرقي الحصن فرأوا الفرنج قد أهملوا ذلك الجانب لأنهم لم يروا فيه مقاتلا وليكثروا في الجهة التي فيها صلاح الدين فصعدت تلك الطائفة من العسكر فلم يمنعهم مانع فصعدوا أيضا الحصن من الجهة الأخرى فالتقوا مع المسلمين الداخلين مع الفرنج فملكوا الحصن عنوة وقهرا، ودخل الفرنج القلة التي للحصن وأحاط بها المسلمون وأرادوا نقبها.
وكان الفرنج قد رفعوا من عندهم من أسرى المسلمين إلى سطح القلة وأرجلهم في القيود والخشب المثقوب فلما سمعوا تكبير المسلمين في نواحي القلعة كبروا في سطع القلة وظن الفرنج أن المسلمين قد صعدوا على السطح فاستسلموا وألقوا بأيديهم إلى الأسر فملكها المسلمون عنوة ونهبوا ما فيها وأسروا وسبوا من فيها وأخذوا صاحبها وأهله وأمست خالية لا ديار بها وألقى المسلمون النار في بعض بيوتهم فاحترقت.
ومن أعجب ما يحكى من السلامة أنني رأيت رجلا من المسلمين على هذا قد جاء من طائفة من المؤمنين شمالي القلعة إلى طائفة أخرى من المسلمين جنوبي القلعة وهو يعدو في الجبل عرضا فألقيت عليه الحجارة وجاءه حجر كبير لو ناله لبعجه فنزل عليه فناداه الناس يحذرونه فالتفت ينظر ما الخبر فسقط علو وجهه من عثرة فاسترجع الناس وجاء الحجر إليه فلما قاربه وهو منبطح على وجهه لقيه حجر آخر ثابت في الأرض فوق الرجل فضربه المنحدر فارتفع عن الأرض وجاز الرجل ثم عاد إلى الأرض من جانبه الآخر لم ينله منه أذى ولا ضرر وقام يعدو حتى لحق بأصحابه فكان