بباب القلعة أميرا لا يترك يدخلها من الأطعمة إلا ما يكفيهم يوما بيوم فأعطى من بالقلعة ذلك الأمير شيئا فمكنهم من إدخال الذخائر الكثيرة.
فبينما هم كذلك إذ أتاهم خبر وصول نور الدين صاحب الموصل فقويت نفوسهم وعزموا على الامتناع فلما تقدم عسكره إلى ذيل جبل ماردين قدر الله تعالى أن الملك الكامل بن العادل نزل بعسكره من ربض ماردين إلى لقاء نور الدين وقتاله ولو أقاموا بالربض لم يمكن نور الدين ولا غيره الصعود إليهم ولا إزالتهم لكن نزلوا ليقضي الله أمرا كان مفعولا فلما أصحروا من الجبل اقتتلوا وكان من عجيب الاتفاق ان قطب الدين صاحب سنجار كان قد واعد العسكر العادلي أن ينهزم إذا التقوا ولم يعلم بذلك أحدا من العسكر فقدر الله تعالى أنه لما نزل العسكر العادلي واصطفت العساكر للقتال ألجأت قطب الدين الضرورة بالزحمة إلى أن وقف في سفح بجبل ماردين ليس اليه طريق للعسكر العادلي ولا يرى الحرب الواقعة بينهم وبين نور الدين ففاته ما أراده من الانهزام فلما التقى العسكران واقتتلوا حمل ذلك اليوم نور الدين بنفسه واصطلى الحرب، [فألقى] الناس أنفسهم بين يديه فانهزم العسكر العادلي وصعدوا في الجبل إلى الربض، وأسر منهم كثير فحملوا إلى بين يدي نور الدين فأحسن إليهم ووعدهم الإطلاق إذا انفصلوا ولم يظن أن الملك الكامل ومن معه يرحلون عن ماردين سريعا فجاءهم أمر لم يكن في الحساب فإن الملك الكامل لما صعد إلى الربض رأى أهل القلعة قد نزلوا إلى الذين جعلوهم بالربض من العسكر فقاتلوهم ونالوا منهم ونهبوا فألقى الله الرعب في قلوب الجميع فأعملوا رأيهم على مفارقة الربض ليلا فرحلوا ليلة الاثنين سابع شوال وتركوا كثيرا من أثقالهم ورحالهم وما أعدوه فأخذه أهل القلعة، ولو ثبت العسكر العادلي