وسبب ذلك أن صقلية كان الأمير عليها سنة ثمان وثمانين وثلاثماءة أبا الفتوح يوسف بن عبد الله بن محمد بن أبي الحسين ولاه عليها العزيز العلوي صاحب مصر وإفريقية فأصابه هذه السنة فالج فتعطل جانبه الأيسر وضعف الجانب الأيمن فاستناب ابنه جعفرا فبقي كذلك ضابطا للبلاد حسن السيرة في أهلها إلى سنة خمس وأربعمائة فخالع عليه أخوه علي وأعانه جمع من البربر والعبيد فأخرج إليه أخوه جعفر جندا من المدينة فاقتتلوا سابع شعبان وقتل من البربر والعبيد خلق كثير وهرب من بقي منهم وأخذ علي أسيرا فقتله أخوه جعفر وعظم قتله على أبيه فكان بين خروجه وقتله ثمانية أيام.
وأمر جعفر حينئذ أن ينفى كل بربري بالجزيرة فنفوا إلى إفريقية وأمر بقتل العبيد فقتلوا عن آخرهم وجعل جنده كلهم من أهل صقلية فقل العسكر بالجزيرة وطمع أهل الجزيرة في الأمراء فلم يمض إلا يسير حتى ثار به أهل صقلية واخرجوه وخلعوه وأرادوا قتله.
وسبب ذلك أنه ولى عليهم إنسانا صادرهم وأخذ الأعشار من غلاتهم واستخف بقوادهم وشيوخ البلد وقهر جعفر إخوته واستطال عليهم فلم يشعر إلا وقد زحف إليه أهل البلد كبيرهم وصغيرهم فحصروه في قصره في المحرم سنة عشر وأربعمائة، أشرفوا على أخذه فخرج إليهم أبوه يوسف في محفة وكانوا له محبين فلطف بهم ورفق فبكوا رحمة له من مرضه وذكروا له ما أحدث ابنه عليهم وطلبوا أن يستعمل ابنه أحمد المعروف الأكحل ففعل ذلك.
وخاف يوسف على ابنه جعفر منهم فسيره في مركب إلى مصر وسار أبوه يوسف بعده ومعهما من الأموال ستمائة ألف دينار وسبعون ألفا وكان ليوسف من الدواب ثلاثة عشر الف حجرة سوى البغال وغيرها،