والبرأة التي تجري بحكم العقل في هذا القسم من الشك هو ما يصطلح عليه علماء الأصول ب (البراءة العقلية) في مقابل (البراءة الشرعية) التي تجري في نفس المورد بموجب الأدلة الشرعية التي تحكم بالبراءة عند الشك في التكليف.
وقد اشتهر بين علماء الأصول التمسك بالدليل العقلي على البراءة إلى جنب التمسك بالأدلة الشرعية على البراءة إلا أننا لا نجد قبل المحقق الحلي رحمه الله (676 ه) صياغة علمية دقيقة للبراءة العقلية أو البراءة الأصلية على مصطلح القدماء بموجب حكم العقل.
تاريخ البراءة العقلية عند القدماء:
ونجد أول محاولة فنية لصياغة البراءة العقلية عند المحقق الحلي رحمه الله حيث يقول:
(لو كان الحكم ثابتا لدلت عليه إحدى تلك الدلائل، لأنه لو لم يكن عليه دلالة لزم التكليف بما لا يطاق للمكلف إلى العلم به وهو تكليف بما لا يطاق).
وهذا الكلام لا يخلو من مناقشة لان التكليف بالمشكوك يمكن بالاحتياط وليس مما لا يطاق، إلا أن يكون المقصود به بالمجهول المطلق، وهو أمر آخر وليس موضوع البحث.
واستقر القول بالبراءة العقلية لدى الفقهاء بعد المحقق الحلي ضمن هذه الصياغات أو صياغات أخرى قريبة منها حتى عصر الوحيد البهبهاني الذي