وما افاده بعض أعاظم العصر (قدس سره) من أنه ليس للتشريع واقع يمكن ان يصيبه أو لا يصيبه بل واقع التشريع هو اسناد الشئ إلى الشارع مع عدم العلم بتشريعه إياه سواء علم المكلف بالعدم أو ظن أو شك، وسواء كان في الواقع مما شرعه الشارع أو لم يكن - غير واضح إذ قد عرفت ان التشريع غير الاسناد من غير علم ولا حجة، و ان الأول عبارة عن تغيير القوانين الإلهية، والتلاعب باحكام الله تعالى، وهو من العناوين الواقعية متصفة بالقبح كالظلم بل هو منه، فلو جهل المكلف به لما اتصف بالقبح الفاعلي مع كون الفعل حراما واقعا.
الرابع ان التشريع بأي معنى فسر، لا يسرى قبحه إلى الفعل الخارجي، إذ لا وجه لتسرية القبح من عنوان إلى عنوان آخر مغاير معه، كما هو المطرد في الأحكام العقلية، و (على ذلك) فعلى القول بالملازمة فلا نستكشف من كون التشريع قبيحا عقلا، الا حرمة ذلك العنوان شرعا، لا حرمة عنوان آخر مغاير معه، وهذا واضح جدا.
فما افاده بعض الأعاظم (قدس سره) من امكان كون القصد والداعي من الجهات والعناوين المغيرة لجهة حسن العمل وقبحه، فيكون التعبد بعمل لا يعلم التعبد به من الشارع موجبا لانقلاب العمل عما هو عليه. ويشهد على ذلك قوله عليه السلام رجل قضى بالحق وهو لا يعلم لدلالته على حرمة القضاء، واستحقاق العقوبة عليه، فيدل على حرمة نفس العمل غير واضح جدا، فان امكان كون القصد من الجهات المغيرة لا يدل على فعلية ما ادعاه من النتيجة، إذ هي تابعة لأخس المقدمتين، أضف إليه، ان كون بعض العناوين مغيرا، فما الدليل على أن هذه العناوين كذلك، فالاشكال في كلية ما ادعاه، وما استدل من الرواية. ضعيف، فان حرمة القضاء مما لا كلام فيه، و انما الكلام في حرمة العمل.
إذا عرفت ذلك: فنقول الحق في تقرير الأصل ما افاده في الكفاية فإنه الأنسب بالبحث الأصولي حيث قال: إن الأصل فيما لا يعلم اعتباره بالخصوص شرعا، ولا يحرز التعبد به واقعا