البراءة وأصل العدم في عدم ما يدل على خلاف ما فهمناه وظنناه من قبل الأدلة فكذلك في ماهية العبادات المركبة فإذا حصل لنا من جهة الاخبار والاجماعات المنقولة بانضمام ما وصل إلينا من سلفنا الصالحين يدا بيد ان مهية الصلاة لا بد فيها من النية والتكبير والقرائة والركوع والسجود وغيرها من الاجزاء المعلومة وشككنا في أن الاستعاذة قبل القراءة في الركعة الأولى مثلا هل هو أيضا من الواجبات كما ذهب إليه بعض العلماء أم لا ورأينا أن دليله على الوجوب معارض بدليل آخر على الندب فمع تعارضهما وتساقطهما فيبقى احتمال الوجوب لامكان ثبوت دليل آخر يدل عليه فحينئذ يجوز لنا نفيه بأصل العدم وأصالة عدم الوجوب فإنه يفيد الظن بالعدم ويحصل من مجموع الامرين الظن بأن مهية العبادة هو ما ذكر لا غير وإن قلت بلزوم تحصيل اليقين قلنا بمثله في نفس الحكم مع أنا نقول لم يثبت انقطاع أصل البراءة السابقة وعدم اشتغال الذمة السابقة إلا بهذا القدر فكيف يحكم بانقطاعه رأسا حتى يقال لا يمكن التمسك بالأصل لانقطاعه بالدليل مع أن ذلك يجري في الحكم الشرعي أيضا فإن من المعلوم أن أصل العدم في الأحكام الشرعية أيضا القطع بثبوت حكم مجمل لكل واحد من الموضوعات فكيف يحكم بأن الأصل عدم هذا الحكم وثبوت حكم آخر و الحاصل أنا إذا بنينا على كفاية الظن عند انسداد باب العلم فلا فرق بين الحكم ومهية العبادات هذا مع أن لنا أن نقول في الاخبار أيضا ما يدل على بيان المهية وأن العبادات هي هذه مثل صحيحة حماد الواردة في بيان آداب الصلاة ونحوها فحينئذ يتضح عدم الفرق بينها وبين نفس الاحكام في اجراء أصالة العدم وقد ظهر مما ذكرنا إمكان اثبات مهية العبادات بضميمة أصل العدم مطلقا سواء حصل لنا ظن من جهة خبر أن هذا هو المهية أو حصل الظن من جهة مجموع ما ورد من الأدلة في خصوص جزء جزء وأصالة عدم شئ آخر وأما ما يقال أن السبيل منحصر في الاجماع فلا نفهم معناه فإن أراد أنه لا بد أن ينعقد الاجماع على أن هذا هو المهية لا غير فلا سبيل لنا إلى مثل هذا الاجماع ولم يدعه أحد من العلماء وإن ادعاه أحد فهو أيضا ظن مثل الظن الحاصل من تلك الرواية أو من الأصل ولا يتم إلا بضميمة أصالة عدم دليل آخر يدل على ثبوت جزء آخر له أو شرط آخر له وإن أراد أن ما حصل الاجماع على صحته فالماهية موجودة فيه جزما ففيه أن هذا ليس إثبات المهية وتعيينها بل هو إثبات لما اندرج فيه المهية جزما لاحتمال اشتمالها على المستحبات التي ليست داخلة في ماهية العبادة مع أن ذلك مما لا يمكن غالبا كما لو دار الامر بين الوجوب والحرمة في شئ من الاجزاء مثل الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة الاخفاتية وبطلان الصلاة بتذكر إسقاط الركوع بعد إكمال السجدتين
(٥٦)