أما على عدم جواز تأخير بيان ما له ظاهر فيقبح خطاب الحكيم بلفظ له حقيقة وهو لا يريدها من دون نصب قرينة على المراد بل ذلك دلالة له على غير المراد لان الأصل في اللفظ حمله على معناه الحقيقي وأما المجمل فلما لم يكن فيه مرجح لإرادة أحد معانيه فيقتصر على اقتضاه الوضع الحقيقي ويتوقف بسبب الاجمال الحاصل في الوضع فليس فيه دلالة على المراد في الجملة أيضا بخلاف الحقيقة التي أريد منها المعنى المجازي بدون نصب القرينة وبأن الخطاب وضع للإفادة ومن سمع العام مثلا مع تجويزه أن يكون مخصصا ويبين في المستقبل فلا يستفيد في هذه الحالة به شيئا والتحقيق في الجواب عن الدليل الأول ان مناطه لزوم القبح من جهة أنه إغراء بالجهل وهو قبيح وفيه منع كلية الكبرى لغاية وفور التكليفات الابتدائية كتكليف إبراهيم عليه السلام بذبح ولده وما قيل أن التكليف إنما كان بالمقدمات وجزعه إنما كان من جهة خوفه من أن يؤمر بنفس الذبح بعده لا يليق مدح إبراهيم عليه السلام ذلك المدح وقد مر الإشارة إلى ذلك والتكليفات الامتحانية في العرف والعادة أكثر من أن تحصى وقد حققناه في مبحث تكليف الامر مع العلم بانتفاء الشرط فإذا كان مصلحة في توطين المكلف نفسه على ظاهر العموم إلى وقت الحاجة أو على الوجوب في الامر إلى وقت الحاجة ويحصل له هذا الثواب ثم يبين له أن المراد هو الخصوص والندب فأي مانع منه وقد يجاب بمنع لزوم الاغراء لأنه يلزم حيث ينتفي احتمال التجوز وانتفائه فيما قبل وقت الحاجة موقوف على ثبوت منع التأخير مطلقا وقد فرضنا عدمه وما يقال أن الأصل في الكلام الحقيقة معناه أنه مع فوات وقت القرينة وهو الحاجة في هذا المقام وتجرده عنها يحمل على الحقيقة لا مطلقا ألا ترى أنه لا يحمل اللفظ على حقيقته حتى يتم الكلام وأنه يجوز تأخير القرينة عن وقت التلفظ كما في الجمل المتعاطفة المتعقبة بمخصص وأيضا قد حكموا بجواز إسماع العام المخصوص بأدلة العقل وإن لم يعلم السامع أن العقل يدل على تخصيصه فيثبت جواز تأخير القرينة عن اللفظ وعدم لزوم الاغراء وكذلك قد جوزوا إسماع العام المخصوص بالدليل السمعي من دون إسماع المخصص فكما أن احتمال وجود المخصص يوجب عدم الحمل على الحقيقة حتى يحصل الفحص فكذلك احتمال ذكر القرينة في زمان الحاجة يوجب ذلك وفيه أن الحمل على الحقيقة هو مقتضى الظاهر والظن والمدار على الظنون في مباحث الألفاظ ولا ريب أن احتمال التجوز ضعيف في جنب إرادة الحقيقة ولا ريب في حصول الظن بعد الفراغ من الكلام بعدم القرينة وأن المراد هو الحقيقة وقد صرحوا بأن معنى الأصل في قولهم الأصل هو الحقيقة هو الظاهر وما ذكره المجيب في معنى أصالة الحقيقة فهو مختص به وما
(٣٤٣)