وهو فيما لو أراد منه فردا معينا عنده غير معين عند المخاطب وذلك إما في الاخبار مثل جاء رجل من أقصى المدينة وإما في الأوامر والاحكام مثل أن تذبحوا بقرة وأعتق رقبة إذا أريد بها المؤمنة وإلى هذا ينظر قولهم إن الخاص والمقيد بيان لا ناسخ وقولهم فيما سيأتي أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب فيما له ومرادهم مما له ظاهر هو الظاهر على الظاهر وفي النظر الأول ومرادهم بكونه مبينا بالخاص المستلزم لاطلاق المجمل عليه هو المجمل في النظر الثاني فلا يتوهم التناقض بين وصف العام بالمجمل والظاهر والحاصل أن مرادهم بكون العام والمطلق حينئذ مجملا وكون الخاص والمقيد بيانا هو أن الخاص والمقيد يكشفان عن أن مراد المتكلم بالعام والمطلق كان فردا معينا عنده مبهما عند المخاطب وهذا هو الأكثري في الاحكام وإلا فقد يقترن العام والمطلق بقرينة تدل على إرادة مرتبة خاصة من العام وفرد خاص من المطلق ولكنه لم يقترن ببيان تلك المرتبة فذلك مجمل في أول النظر أيضا ولكنه مجاز حينئذ ولا يقال له أنه مما له ظاهر فإن القرينة أخرجته من الظهور في أول النظر أيضا وقد يجعل من الاجمال باعتبار الاشتراك المعنوي قوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده باعتبار إمكان صدق الحق على كل واحد من الابعاض مع أن المراد هو العشر لا غير والتحقيق أنه يرجع إلى الإشارة إلى القدر المخرج من المال الذي قدره الشارع مثل الزكاة مثلا فالاجمال بسبب الاشتراك المعنوي إنما هو فيما لو قال أخرج قدرا من مالك و أراد قدرا معينا ولم يبين وأما إذا سمى ذلك القدر بالحق فهيهنا الحق معين لان المراد منه هو القدر المذكور فالاجمال في الحق إنما هو باعتبار الاجمال في مسماه ومن الاجمال تردد اللفظ بين مجازاته إذا قام قرينه على نفي الحقيقة وتساوت مجازاته وأما المركب فإما أن يكون الاجمال فيه بجملته مثل قوله تعالى أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح المتردد بين الزوج وولي المرأة أو باعتبار تخصيصه بمخصص مجهول مثل اقتلوا المشركين إلا بعضهم مع إرادة البعض المعين وأحل لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين لجهالة معنى الاحصان فإنه قد يجئ بمعنى الحفظ كما في أحصنت فرجها وقد يجئ بمعنى التزوج وقد يكون الاجمال بسبب تردد مرجع الضمير بأن يتقدمه شيئان يحتمل رجوعه إلى كل منهما مثل ضرب زيد عمروا وأكرمته ومرجع الصفة مثل زيد طبيب ماهر لاحتمال كون المهارة في الطب أو لزيد مطلقا إذ عرفت هذا فاعلم أن التكليف بالمجمل جايز عقلا واقع شرعا وتوهم لزوم القبح لعدم الافهام فاسد لان ذلك إنما يتم إذا كان وقت الحاجة والفائدة فيه قبل الحاجة الاستعداد والتهيؤ للامتثال
(٣٣٥)