الحقيقة باستعمال إماراتها أو القرينة المعينة للمراد ثم يعمل على مقتضاه من الترجيح أو التوقف وإن وجد كلاهما فإن كان المعنى العرفي هو عرف المتشرعة فهو محل النزاع في ثبوت الحقيقة الشرعية وإلا فالمشهور تقديم العرف العام لإفادة الاستقراء ذلك وقيل يقدم اللغة لأصالة عدم النقل والأول أظهر وأما ثبوت الحقيقة الشرعية ففيه خلاف والمشهور بينهم أن النزاع في الثبوت مطلقا والنفي مطلقا والحق كما يظهر من بعض المتأخرين التفصيل وتحرير محل النزاع هو أن كثيرا من الألفاظ المتداولة على لسان المتشرعة أعني بهم من يتشرع بشرعنا فقيها كان أو عاميا صار حقايق في المعاني الجديدة التي استحدثها الشارع ولم يكن يعرفها أهل اللغة مثل الصلاة في الأركان المخصوصة والصوم في الامساك المخصوص إلى غير ذلك فهل ذلك بوضع الشارع إياها في إزاء هذه المعاني بأن نقلها من المعاني اللغوية ووضعها لهذه المعاني الجديدة أو استعملها مجازا في هذه المعاني مع القرينة وكثر استعمالها فيها إلى أن استغنى عن القرينة فصارت حقائق أو لم يحصل الوضع الثانوي في كلامه بأحد من الوجهين وكان استعماله فيها بالقرينة ويظهر ثمرة النزاع إذا وجدت في كلامه بلا قرينة فإن قلنا بثبوت الحقيقة فلا بد من حملها على هذه المعاني وإلا فعلى اللغوي وقد طال التشاجر بينهم في الاستدلال ولكل من الطرفين حجج واهية و أقوى أدلة النافين أصالة عدم النقل وأقوى أدلة المثبتين الاستقراء فيدور الحكم مدار الاستقراء وقد يستدل بالتبادر بأنا إذا سمعنا هذه الألفاظ في كلام الشارع يتبادر في أذهاننا تلك المعاني وهو علامة الحقيقة وهذا الاستدلال من الغرابة بحيث لا يحتاج إلى البيان إذ من الظاهر أن المعتبر من التبادر هو تبادر المعنى من اللفظ عند المتحاورين بذلك اللفظ فإذا سمع النحوي لفظ الفعل من اللغوي وتبادر إلى ذهنه ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة لا يلزم منه كونه حقيقة فيه عند اللغوي أيضا وربما زاد بعضهم مصادرة وقال الظاهر أن ذلك التبادر لكثرة استعمال الشارع لا لأجل ألف المتشرعة بهذا المعنى ثم أغرب وقال أن التبادر معلوم وكونه لأجل أمر غير الوضع غير معلوم يعني وضع الشارع وهو مقلوب عليه بأن التبادر معلوم وكونه من أجل وضع الشارع غير معلوم وعلى المستدل الاثبات ولا يكفيه الاحتمال وكيف كان فالحق ثبوت الحقيقة الشرعية في الجملة وأما في جميع الألفاظ والأزمان فلا والذي يظهر من استقراء كلمات الشارع ان مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج والركوع والسجود ونحو ذلك قد صارت حقايق في صدر الاسلام بل ربما يقال إنها كان حقائق في هذه المعاني قبل شرعنا أيضا لكن حصل اختلاف في الكيفية وحصولها فيها وفي غيرها من الألفاظ الكثيرة الدوران في زمان الصادقين عليهما السلام ومن بعدهما مما لا ينبغي التأمل
(٣٦)