فان قيل: هذا الاستدلال مبني على أن المراد بمخالفة الامر ترك المأمور به، وليس كذلك. بل المراد بها حمله على ما يخالفه بأن يكون للوجوب أو الندب، فيحمل على غيره.
قلنا: المتبادر إلى الفهم من المخالفة هو ترك الامتثال والآتيان بالمأمور به. و أما المعنى الذي ذكرتموه فبعيد عن الفهم، غير متبادر عند إطلاق اللفظ، فلا يصار إليه إلا بدليل. وكأنها في الآية اعتبرت متضمنة معنى الاعراض، فعديت ب " عن ".
فان قيل: قوله في الآية: " عن أمره "، مطلق فلا يعم (1)، والمدعى إفادته الوجوب في جميع الأوامر بطريق العموم (2).
قلنا: إضافة المصدر عند عدم العهد للعموم، مثل " ضرب زيد " و " أكل عمرو ". وآية ذلك جواز الاستثناء منه، فإنه (3) يصح أن يقال في الآية: فليحذر الذين يخالفون عن أمره إلا الامر الفلاني. على أن الاطلاق كاف في المطلوب، إذ لو كان حقيقة في غير الوجوب أيضا، لم يحسن الذم والوعيد والتهديد على مخالفة مطلق الامر.
الرابع: قوله تعالى: " وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون (4) "، فإنه سبحانه ذمهم على مخالفتهم للامر، ولولا أنه للوجوب لم يتوجه الذم.
وقد اعترض أولا بمنع كون الذم على ترك المأمور به، بل على تكذيب الرسل في التبليغ، بدليل قوله تعالى: " ويل يومئذ للمكذبين (5) ".
وثانيا: بأن الصيغة تفيد (6) الوجوب عند انضمام القرينة إليها إجماعا، فلعل الامر بالركوع كان مقترنا بما يقتضي كونه للوجوب.
وأجيب عن الأول: بأن المكذبين إما أن يكونوا هم الذين لم يركعوا عقيب