وكل ذلك مفقود في شريعتنا لان الوحي قد ارتفع والرسالة قد انقطعت والتكليف باق إلى يوم القيمة والعمل بخبر الواحد غير صحيح على ما بيناه فيما مضى فلو لم يكن لها معصوم والتواتر يجوز أن يكون (يصير خ ر) آحادا كان ذلك يؤدى إلى ان الشرع غير محفوظ أصلا وذلك لا يجوز واستدل من خالفنا على صحة قوله بأشياء منها انه لو لم يكن متعبدا بشريعة من تقدم لم يكن يذكى قبل بعثته ولم يأكل اللحم المذكى ولا كان يحج ويعتمر ولا كان يركب البهايم ويحمل عليها لان جميع ذلك يحسن سمعا وفي علمنا بأنه كان يفعل ذلك دليل على صحة ما قلناه وهذا لا يلزمنا على ما قررنا من مذهبنا في هذا الباب لأنا قلنا انه قبل بعثته كان يوحى إليه بما يخصه فلأجل ذلك كان يفعل ما بفعله (يفعله) من الأشياء التي ذكروها ان صح منه فعلها واما من وافقنا في هذا المذهب وخالفنا في هذه الطريقة فإنه يقول ان تزكية البهايم وفعله الحج والعمرة لو ثبت لدل لكن ذلك لم يثبت وما روى من ذلك فإنما طريقة اخبار الآحاد لا يعول عليها في هذا الباب واما اكله اللحم المذكى فحسن في العقل وليس فيه دليل على ما قاله السائل لأنه بمنزلة اكل ساير المباحات ولم يثبت عنه (ع) انه كان يأمر بالتذكية ليأكل اللحم فيسوغ التعلق به واما ركوب البهيمة والحمل عليها فذلك بحسن عند كثير منهم لما لها في ذلك من المنافع التي يوصل إليها من العلف وغير ذلك و يخالف الذبح لان الذبح يقطعها عن المنافع وتعلقوا أيضا برجوعه (ع) إلى التورية في رجم اليهوديين وذلك لا يصح لان ذلك من اخبار الآحاد التي لا يعتمد في هذا الباب فلو كان كذلك لرجع إلى التورية في ساير الاحكام ولما كان ينتظر الوحي ما بيناه وفي تركه الرجوع إليها دليل على انه لم يرجع إليها في الرجم ان صح مما قالوه فسقط بذلك ما تعلقوا به وقد قيل في الجواب عن ذلك انه انما رجع إليهم لأنه كان قد اخبر ان في التورية رجم الزاني فأراد أن يحقق صدقه ليدلهم على نبوته بالرجوع إليهم ليعرف ثبوت الرجم من جهتهم قالوا ولو كان رجوعه إليهم لما قالوه لرجع في غيره أيضا ولوجب أن يتعرف هل الرجم في التورية على كل زان أو هو على محصن فقط ولوجب أن لا يقبل قول اليهود الذين رجع إليهم لان يقول مثلهم لا يقع العلم ولا هم على صفة تقبل قولهم في الديانات ولما مدحهم في ان ذلك في التورية لأنه قد ظهر تحريفهم لكثير منها فدل جميع ذلك على بطلان تعلقهم به وتعلقوا أيضا بقوله تعالى واتبع ملة إبراهيم حنيفا وبقوله فبهداهم اقتده وبقوله انا أنزلنا التورية فيها هدى ونور يحكم بها النبيون وهو (ع) من جملتهم وذلك يقتضى صحة ما قالوه قيل له اما الملة التي أمرنا باتباعها فهو دين إبراهيم لان الملة هي الدين لان المراد بذلك التوحيد والعدل بين ذلك قوله ومن يرغب عن ملة إبراهيم الا من سفه نفسه وقد علمنا ان الملة التي يستحق الراغب عنها هذا الوصف هي العقليات واما قوله فبهداهم اقتده فإنه أراد بذلك أدلتهم
(٦٣)