النبوة أفضل من ساير الأنبياء قيل لم يخص أحد تفضيله على ساير الأنبياء بوقت دون وقت فيجب أن يكون أفضل في جميع الأوقات ويدل على ذلك أيضا انه لو كان متعبدا بشريعة من تقدمه فاما بان يكون شرعا لذلك المتقدم ويكون في حكم المؤدى عنه فكان يجب أن لا يضاف جميع الشرع إليه كما لا يضاف الشرع إلى من يؤدى عنه (ع) لما كان مؤديا عنه (ع) وفي علمنا بإضافة جميع الشرع إليه دليل على انه لم يكن متعبدا بشرع من تقدمه ويدل على ذلك أيضا انه لو كان متعبدا بشرع من تقدم لم يخل من أن يكون متعبدا بشريعة موسى (ع) أو عيسى (ع) لان شريعة من قبلهما مندرسة وهي مع ذلك منسوخة بشريعتهما فان قالوا كان متعبدا بشريعة موسى (ع) فان ذلك فاسد من حيث كانت شريعته منسوخة بشريعة عيسى (ع) وان قالوا كان متعبدا بشريعة عيسى (ع) فسد ذلك من وجهين أحدهما ان شريعته قد انقطعت واندرس نقلها ولم تتصل كاتصال نقل المعجزة الذي تقتضي ما هي عليه نقلها وإذا لم يتصل لم يصح ان يعلم وفي ذلك اخراج له من أين يكون متعبدا بها والثاني ان القول بذلك يبطل ما يعتمدون عليه من رجوعه (ع) إلى التورية في رجم اليهوديين به لأنه كان يجب أن يرجع إلى الإنجيل دونها ويدل على صحة ما قلناه ان الذي يخالف في ذلك لا يخلو قوله من ان تعبد بشريعة موسى (ع) بأن دعاه موسى إلى شريعته ما لم ينسخ والحجة قائمة عليه بذلك أو نقول انه تعبد بشريعة موسى بأن امر بالتمسك بها امرا مبتدأ وان كان يحتاج أن يرجع إليهم في تعرف ما يتمسك به من شريعته أو نقول انه تعبد بشريعته بان امر بأشياء قد كانت شريعة له وان علمها هو من جهة الله تعالى فان ذهبوا إلى ما قلناه أولا فليس يخلو من ان نقول انه (ع) كان يمكنه أن يعرف شريعتهم من غير جهة الله تعالى بل بالرجوع إليهم في تعرف ذلك أو يقول ما كان يصلح له ذلك وانما كان يعرف ذلك من قبل الله تعالى فان قالوا بالأول فهو خلاف بالمعنى والذي يبطل قوله أشياء منها ما استدل به أبو علي وأبو هاشم من أنه (ع) لو كان متعبدا بشريعة من قبله لكان لا يتوقف في قصة الظهار وقصة الميراث وقصة الافك على نزول الوحي عليه لان هذه الحوادث معلوم ان لها احكاما في التورية ظاهرة كما فيما بينهم فلو كان متعبدا بذلك لرجع إلى التورية وبحث عن حكمها كما بحث بزعمهم عن الرجم ولو كان توقفه على الوحي يجرى توقفه في شئ قد بين له على الوحي وفي فساد ذلك دليل على انه لم يكن متعبدا الا بما ينزله الله عليه وكان يجب أيضا أن يرجع الصحابة في معرفة الاحكام إلى التورية وأهلها كرجوعهم إلى القران وفي تركهم ذلك دليل على انهم لم يتعبدوا بذلك ولا النبي (ع) ومنها ان النبي (ع) صوب معاذا في قوله اجتهد رائي عند عدم الكتاب والسنة فلو كان متعبدا بشريعتهم لعده في جملة ذلك ولنبه معاذا على خطائه بترك ذلك وان أراد القسم الأخير فليس في ذلك خلاف ولا يوجب ذلك أن يكون متعبدا بشرع من تقدم لان الامر بمثل شريعتهم إذا ورد عن الله تعالى أو بين المأمور به
(٦١)