ان ذلك واجب لدليل سمعي دل على ذلك فالواجب علينا أن نبين ان ما ادعوه دليلا أو تعلقوا به ليس فيه دلالة على حال لأنا لا ننكر أن يقوم على وجوب ذلك دليل لكن لم يثبت ذلك وقد استدل القوم على ذلك بأشياء منها قوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره قالوا فحذرنا عن مخالفته و الامر يتناول الفعل كما يتناول القول لان الله تعالى قال يدبر الامر من السماوات إلى الأرض قال واليه يرجع الامر كله وقال وما امر فرعون برشيد وإذا ثبت ان الامر يتناول الفعل كما يتناول القول وجب أن تكون افعاله (ع) على الوجوب والا لم يجب التحذر عن مخالفتها والجواب عن ذلك ان الآية لا تدل على ما قالوه من وجوه أحدها ان لفظ الامر موضوع في الحقيقة للقول بدلالة ما قلناه (قدمناه خ ر) في أول الكتاب في باب الأوامر وإذا صح ذلك لم تتناول الآية الفعل وذلك يبطل التعلق بها وما تقدم من قوله لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا يدل على ان المراد بالآية القول دون الفعل وانه أراد ما ندبهم إليه وأمرهم به ومنها ما قيل ان الهاء في قوله عن امره يرجع إلى أقرب المذكورين وهو الله تعالى وإذا ثبت ذلك فحملها على الرسول ورجوعها إليه حتى يمكن الاستدلال بها لا يصح ولا يمكن ان يقال انها يرجع إليها لان الكناية عن واحد فكيف تحمل على الاثنين ومنها ان قوله فليحذر الذين يخالفون عن امره لا يمكن حمله على العموم ولابد من كون القول مرادا به وإذا وجب ذلك فلا يجوز أن يراد به الفعل فهذا انما يعتمده من ذهب إلى ان العبارة الواحدة لا يراد بها المعنيان المختلفان وقد بينا ان الصحيح خلاف ذلك فالمعتمد إذا ما قدمناه ويجرى مجرى ذلك أيضا ان يقال ان التحذير من مخالفة يقتضى وجوب الموافقة والموافقة له (ع) في الفعل تقتضي ان يفعل الفعل على الوجه الذي فعل ما قدمناه القول فيه وذلك يبطل كون افعاله كلها على الوجوب واستدلوا بقوله تعالى فاتبعوه فإنه أمرنا باتباعه وأمره تعالى على الوجوب فيجب كون اتباعه في افعاله واجبا فهذا يبطل ما قدمناه من تفسير الاتباع لأنا قد بينا ان المتبع له انما يكون متبعا إذا فعله على الوجه الذي فعله ومتى فعله على غير ذلك الوجه لا يكون متبعا بل يكون مخالفا ويجرى ذلك مجرى ان يفعل فعلا اخر لان اختلاف الوجهين في الفعل الواحد يجرى مجرى فعلين وقد قال قول في الجواب عن ذلك ان المتبع فيه محذوف ذكره لأنه لا يصح اتباعه في أشياء مختلفة وهذا ليس بصحيح لان لقايل أن يقول ان الظاهر يقتضى وجوب اتباعه في كلما يصح ان يتبع فيه واستدلوا أيضا بقوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وانه إذا جعله أسوة لزمنا التأسي به سيما وقد قال في سياق الآية لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وهذا تهديد لمن ترك التأسي وهذا أيضا يسقط بما قدمناه من معنى التأسي وقوله لمن كان يرجو الله واليوم الاخر ليس بتهديد ولا وعيد لان الرجاء انما يكون في المنافع فكأنه قال تعالى لمن كان يرجو أثواب الله والثواب قد يستحق بالندب
(٥٦)