وليس هذا موضع الكلام في النبوة، فكنا ندل عليه وهو مذكور في كتب الأصول مستقصاة.
والذي يدل على جواز النسخ من جهة العقل هو: أنه ثبت أن العبادات الشرعيات تابعة للمصالح، ولكونها ألطافا في الواجبات العقلية، ولولا ذلك لما وجبت (1) على حال.
وإنما قلنا ذلك: لأن الشئ لا يجب بإيجاب موجب، وإنما يجب لصفة هو عليها يقتضي وجوب الشئ وانما يدل ايجاب الحكيم له على أن له صفة الوجوب بان (2) يصبر واجبا بايجابه لان ايجاب ما ليس له صفة الوجوب يجرى في القبح مجرى ايجاب الظلم والقبيح أو اباحتهما، وقد علم قبح ذلك.
وإذا ثبت هذه الجملة فلا يخلو وجه وجوب هذه العبادات ان يكون عقليا أو ما ندعيه من كونها مصالح وألطافا فلو كان وجه وجوبها عقليا لوجب ان يعلم بالعقل وجوب هذه العبادات، وكما علم وجوب جميع الواجبات العقلية من وجوب هذه الأشياء بيانا في العقل وقد علمنا انا لا نعلم بالعقل وجوب الصلاة ولا الزكاة، ولا الصوم، ولا غير ذلك من العبادات التي جاءت الشرايع بها، بل لا يحسن فعلها بالعقل وإذا ثبت ذلك فلا يمتنع ان تتغير المصالح، فيصير ما كان داعيا إلى فعل الواجب صارفا عن فعله أو يصير داعيا إلى فعل القبيح وما يكون مصلحة لزيد لا يكون مصلحة لعمرو وما يكون مصلحة في وقت يصير مفسدة في وقت آخر، وذلك يوجب النسخ والا قبح التكليف.
فان قيل: لم لا يجوز ان يكون وجه وجوب هذه العبادات هو ان لنا فيها ثوابا