وكذلك: لا يحسن أن يأمر بالشئ على وجه يحسن عليه، وينهى عنه على وجه آخر يحسن أيضا عليه، لأن ذلك يقتضي قبح النهي، لأن النهي عن الحسن قبيح.
فأما النهي عن غير المأمور به فلقد يحسن على وجوه:
منها: أن يأمر زيدا بمثل ما نهى عنه عمرو تعالى، لأن ما يقع حسنا من زيد لا يمنع أن يقع من عمرو قبيحا، وذلك أمر الله تعالى الطاهر بالصلاة، ونهيه الحائض عنها، وهذا على ضربين:
أحدهما: أن يقع منهما على وجه واحد.
والآخر: أن يقع منهما على وجهين، والحال فيهما سواء.
ومنها: أن يأمر عز وجل زيدا (1) الثاني بمثل ما نهاه عنه في الأول فيحسن، لأن كونه قبيحا في الأول لا يمنع من وقوعه حسنا في الثاني، ونسخ الشريعة على هذا الوجه، ولا فصل في ذلك بين أن يقع في الوقت الثاني على الوجه الذي وقع عليه في الأول، وبين أن يقع على غير ذلك الوجه.
فأما نهي زيد عن مثل ما أمر به في وقت واحد، فإنما لا يحسن لأنه يبعد أن يكون الفعلان المثلان الواقعان منه على وجه واحد يختلف معهما في الصلاح فيكون أحدهما مصلحة والآخر مفسدة.
وقد يصح الأمر بالشئ والنهي عن غيره على وجوه اخر، وكذلك الأمر بغير ما وقع الأمر به والنهي عن مثل ما وقع النهي عنه، ولم يذكر ذلك لأن الغرض بيان ما يحسن من ذلك ليبين بذلك أن نسخ الشريعة منها.
وهذه جملة في هذا الباب.