جواز نسخ الشئ قبل وقت فعله (1) وإلى ذلك كان يذهب شيخنا أبو عبد الله.
وذهب المتكلمون من المعتزلة، وأكثر أصحاب أبي حنيفة، وبعض أصحاب الشافعي إلى أن ذلك لا يجوز (1)، وهو الذي يختاره سيدنا المرتضى (2) رحمه الله (3)، وهو الذي يقوى في نفسي.
والذي يدل على ذلك أن القول بجواز ذلك يؤدي إلى أن ينهى الله تعالى عن نفس ما أمر به، لأنه إذا أمر بشئ بعينه في وقت بعينه ثم نهاه عنه قبل مجئ الوقت عن ذلك الفعل بعينه، فقد نهاه عن نفس ما أمر به، وذلك قبيح من وجهين:
أحدهما: أن ذلك الفعل لا يخلو من أن يكون قبيحا أو حسنا، فإن كان قبيحا فالامر به قبيح وان كان حسنا فالنهي عنه قبيح، وهذا يوجب كونه فاعلا للقبح، تعالى الله عن ذلك.
والوجه الاخر: انه يؤدى إلى البداء، لأنه لو كان حال ما أمر به على ما كان عليه قبل الاخر لما نهى عنه، فدل نهيه على أنه قد ظهر له من حاله ما لم يكن ظاهرا، أو استتر عنه ما كان عالما به، وكل ذلك لا يجوز عليه تعالى لان البداء إذا لم يجز عليه لم يجز أن يفعل ما يدل على البداء.
فان قيل: إنا إنما نجيز أن ينهى قبل الوقت عن مثل ما أمر به لا عنه بعينه، فلا يلزم ما ذكرتموه قيل له إن الامر الأول اقتضى فعلا واحدا في هذا الوقت، فإذا نهى عن مثله لم يوصف ذلك بأنه نسخ أصلا.
فان قال (4): لو اقتضى الفعلين جميعا فكيف كان جوابكم؟
قيل له ان كان أرادهما جميعا بالامر، فإذا نهى عن أحدهما فقد نهى عما أمر