وذكر سيدنا الأجل المرتضى رحمه الله (١) وجها آخر في ذلك وهو أن قال:
" يمكن حمل ذلك على حقيقته، بأن يقال: " بدا له تعالى " بمعنى أنه ظهر له من الأمر ما لم يكن ظاهرا له، وبدا من النهي ما لم يكن ظاهرا له، لأن قبل وجود الأمر والنهي لا يكونان ظاهرين مدركين، وإنما يعلم أنه يأمر أو ينهي في المستقبل.
فأما كونه آمرا أو ناهيا، فلا يصح أن يعلمه إلا إذا وجد الأمر والنهي، وجرى ذلك مجرى أحد الوجهين المذكورين في قوله تعالى ﴿ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم﴾ (2) بأن نحمله على أن المراد به حتى نعلم جهادكم موجودا، لأن قبل وجود الجهاد لا يعلم الجهاد موجودا، وإنما يعلم كذلك بعد حصوله، فكذلك القول في البداء " (3). وهذا وجه حسن جدا. وأما ما لا يجوز إطلاقه عليه تعالى، هو أن يأمر تعالى المكلف بنفس ما نهاه عنه، على الوجه الذي نهاه عنه، في الوقت الذي نهاه عنه. وإنما شرطنا هذه الوجوه كلها، لأن المنهي عنه لو كان غير المأمور به لم يمتنع أن تقتضي المصلحة الأمر به والنهي عن مثله، وكان لا مدخل له في البداء: ولأن النهي لو تعلق به على غير الوجه الذي تناوله الأمر كان حسنا، نحو أن يأمر الله بالصلاة على وجه العبادة له تعالى، وينهى عنها على وجه العبادة للشيطان. وإنما شرطنا الوقت الواحد، لأن المأمور به في وقت لو نفى عنه في وقت آخر وصح وقوعه لكان ذلك حسنا في الحكمة، كما يصح أن يحسن من الله تعالى فعل الجسم في بعض الأوقات، وإن كان لو فعله بعينه في وقت آخر وقد أفناه لم يمتنع أن يكون قبيحا.