لان هذ الاجماع قد دل على أن القول الاخر الذي سوغوه من قبل القول به قد حرم القول به، وهذا نسخ للاجماع.
قيل له: هذا يسقط على مذهبنا، لأنهم إذا اجمعوا على أن كل واحد من القولين جائز لا يجوز أن يجمعوا بعد ذلك على أحد القولين، لان ذلك ينقض الاجماع الأول.
وانما يصح ذلك على مذهب من قال بالاجتهاد (1) بأن يقول: قالوا بقولين من طريق الاجتهاد ثم أداهم الاجتهاد إلى قول واحد، وعلى هذا أيضا لا يكون ذلك نسخا، لأنهم انما سوغوا القول بالأول بشرط أن لا يكون هناك ما يمنع من الاجتهاد، كما أن من غاب عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإنما يجتهد في المسألة بشرط أن لا يكون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص، فإذا وجد الاجماع على أحدهما عدم الشرط الذي له جوزوا القول بالآخر فخرم القول به لهذه العلة لا لأنه منسوخ.
واما القياس: فعندنا انه غير معمول به في الشرع على ما ندل عليه في المستقبل، فلا يصح نسخه ولا النسخ به.
واما على مذهب من قال بالعمل به، فلا يصح أيضا نسخه (2)، لأنه يتبع الأصول فما دامت الأصول ثابتة فنسخه (3) لا يصح (4).
والنسخ به لا يصح أيضا، لان من شرط صحته أن لا يكون في الأصول ما يمنع