وكذلك لا يصح النسخ به، لان من شأن الناسخ أن يكون دليلا شرعيا متأخرا عن المنسوخ، وذلك لا يتأتى في الاجماع على مذهبنا، فجرى ذلك مجرى أدلة العقل التي لا يجوز النسخ بها على ما مضى القول فيه.
واما على مذهب الفقهاء فلا يجوز أيضا نسخه، لأنه دليل قد استقر بعد ارتفاع الوحي، ومعلوم ان بعده لا يصح النسخ، فيجب امتناع النسخ فيه (1).
وكذلك لا يصح النسخ به لمثل ما قلناه نحن، من أن من شأن الناسخ أن يكون متأخرا عن المنسوخ، والحكم إذا كان ثابتا فلا يجوز أن يجمع الأمة بعد ذلك على خلافه، لان ذلك يؤدى إلى بطلان الاجماع (1) فاما إذا اجمعوا على شئ ثم ورد الخبر بخلافه، نحو اجماعهم على أن " لا غسل على من غسل ميتا " (2) على مذهبهم. " ولا وضوء على حامله " (2) وقد وردت السنة به (3)، فإنما يستدل بالاجماع على أن الخبر غير صحيح ولا يجب قبوله.
واما أن يكون منسوخا به فلا (1)، وانما قالوا ذلك: لأنه لو كان صحيحا لما أجمعت الأمة على خلافه، لأنهم يتبعون الأدلة ولا يخالفونها، أو يستدل بالاجماع على أنه نسخ بغيره لا به نفسه.
فان قيل: فهل يجوز أن ينسخ اجماعهم على قولين باجماعهم على أحدهما؟