الكتاب الذي آتيناه موسى «هدى لبني إسرائيل» قيل لم يتعبد بما في التوراة ولد إسماعيل «وجعلنا منهم أئمة يهدون» بقيتهم بما في تضاعيف الكتاب من الحكم والاحكام إلى طريق الحق أو يهدونهم إلى ما فيه من دين الله وشرائعه «بأمرنا» إياهم بذلك أو بتوفيقنا له «لما صبروا» هي لما التي فيها معنى الجزاء نحو أحسنت إليك لما جئتني والضمير للأئمة تقديره لما صبروا جعلناهم أئمة أو هي ظرف بمعنى الحين أي جعلناهم أئمة حين صبروا والمراد صبرهم على مشاق الطاعات ومقاسات الشدائد في نصرة الدين أو صبرهم عن الدنيا وقرئ لما صبروا أي لصبرهم «وكانوا بآياتنا» التي في تضاعيف الكتاب «يوقنون» لإمعانهم فيها النظر والمعنى كذلك لنجعلن الكتاب الذي آتيناكه هدى لأمتك ولنجعلن منهم أئمة يهدون مثل تلك الهداية «إن ربك هو يفصل» أي يقضى «بينهم» قيل بين الأنبياء وأممهم وقيل بين المؤمنين والمشركين « يوم القيامة» فيميز بين المحق والمباطل «فيما كانوا فيه يختلفون» من أمور الدين «أولم يهد لهم» الهمزة للإنكار والواو للعطف على منوى يقتضيه المقام وفعل الهداية إما من قبيل فلان يعطى في أن المراد إيقاع نفس الفعل بلا ملاحظة المفعول وإما بمعنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل ما دل عليه قوله تعالى «كم أهلكنا» أي أغفلوا ولم يفعل الهداية لهم أو ولم يبين لهم مآل أمرهم كثرة إهلاكنا «من قبلهم من القرون» مثل عاد وثمود وقوم لوط وقرئ نهد لهم بنون العظمة وقد جوز أن يكون الفاعل على القراءة الأولى أيضا ضميره تعالى فيكون قوله تعالى كم أهلكنا الخ استئنافا مبينا لكيفية هدايته تعالى «يمشون في مساكنهم» أي يمرون في متاجرهم على ديارهم وبلادهم ويشاهدون آثار هلاكهم والجملة حال من ضمير لهم وقرئ يمشون للتكثير «إن في ذلك» أي فيما ذكر من كثرة إهلاكنا للأمم الخالية العاتية أو في مساكنهم «لآيات» عظيمة في أنفسها كثيرة في عددها «أفلا يسمعون» هذه الآيات سماع تدبر واتعاظ «أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز» أي التي جرز نباتها أي قطع وأزيل بالمرة وقيل هو اسم موضع باليمن «فنخرج به» من تلك الأرض «زرعا تأكل» أي من ذلك الزرع «أنعامهم» كالتبن والقصيل والورق وبعض الحبوب المخصوصة بها وقرئ يأكل بالياء «وأنفسهم» كالحبوب التي يقتاتها الإنسان والثمار «أفلا يبصرون»
(٨٧)