«الرحيم» على عباده وهما خبران آخران وفيه ايماء إلى انه تعالى متفضل في جميع ما ذكر فاعل بالاحسان «الذي أحسن كل شيء خلقه» خبر آخر أو نصب على المدح أي حسن كل مخلوق خلقه إذ ما من مخلوق خلقه الا وهو مرتب على ما تقتضيه الحكمة وأوجبته المصلحة فجميع المخلوقات حسنة وان تفاوتت إلى حسن وأحسن كما قال تعالى لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم وقيل علم كيف يخلقه من قوله قيمة المرء ما يحسن أي يحسن معرفته أي يعرفه معرفة حسنة بتحقيق وايقان وقرئ خلقه على انه بدل اشتمال من كل شيء والضمير للمبدل منه أي حسن خلق كل شيء وقيل بدل الكل على ان الضمير لله تعالى والخلق بمعنى المخلوق أي حسن كل مخلوقاته وقيل هو مفعول ثان لأحسن على تضمينه معنى اعطى أي اعطى كل شيء خلقه اللائق به بطريق الاحسان والتفضل وقيل هو مفعوله الأول وكل شيء مفعوله الثاني والخلق بمعنى المخلوق وضميره لله سبحانه على تضمين الاحسان معنى الالهام والتعريف والمعنى الهم خلقه كل شيء مما يحتاجون اليه وقال أبو البقاء عرف مخلوقاته كل شيء يحتاجون اليه فيؤول إلى معنى قوله تعالى «الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى» وبدا خلق الانسان من بين جميع المخلوقات «من طين» على وجه بديع تحار العقول في فهمه حيث برا آدم عليه السلام على فطرة عجيبة منطوية على فطرة سائر افراد الجنس انطواء اجماليا مستتبعا لخروج كل فرد منها من القوة إلى الفعل بحسب استعداداتها المتفاوتة قربا وبعدا كما ينبئ عنه قوله تعالى «ثم جعل نسله» الخ أي ذريته سميت بذلك لأنها تنسل وتنفصل منه «من سلالة من ماء مهين» هو المني الممتهن «ثم سواه» أي عدله بتكميل أعضائه في الرحم وتصويرها على ما ينبغي «ونفخ فيه من روحه» اضافه اليه تعالى تشريفا له وايذانا بأنه خلق عجيب وصنع بديع وان له شأنا له مناسبة إلى حضرة الربوبية وان أقصى ما تنتهي اليه العقول البشرية من معرفته هذا القدر الذي يعبر عنه تارة بالإضافة اليه تعالى وأخرى بالنسبة إلى امره تعالى كما في قوله تعالى قل الروح من امر ربي «وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة» الجعل ابداعي واللام متعلقة به والتقديم على المفعول الصريح لما مر مرات من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر مع ما فيه من نوع طول يخل تقديمه بجزالة النظم الكريم أي خلق لمنفعتكم تلك المشاعر لتعرفوا انها مع كونها في أنفسها نعما جليلة لا يقادر قدرها وسائل إلى التمتع بسائر النعم الدينية والدنيوية الفائضة عليكم وتشكروها بأن تصرفوا كلا منها إلى ما خلق هو له فتدركوا بسمعكم الآيات التنزيلية الناطقة بالتوحيد والبعث وبأبصاركم الآيات التكوينية الشاهدة بهما وتستدلوا بأفئدتكم على حقيقتهما وقوله تعالى «قليلا ما تشكرون» بيان لكفرهم بتلك النعم بطريق الاعتراض التذييلي على ان القلة بمعنى
(٨١)