من الرجعة وانى لهم ذلك ويجوز ان يقدر لكل من الفعلين مفعول مناسب له مما يبصرونه ويسمعونه فإنهم حينئذ يشاهدون الكفر والمعاصي على صور منكرة هائلة ويخبرهم الملائكة بأن مصيرهم إلى النار لا محالة فالمعنى أبصرنا قبح اعمالنا وكنا نراها في الدنيا حسنة وسمعنا ان مردنا إلى النار وهو الأنسب لما بعده من الوعد بالعمل الصالح هذا وقد قيل المعنى وسمعنا منك تصديق رسلك وأنت خبير بأن تصديقه تعالى لهم حينئذ يكون بإظهار مدلول ما أخبروا به من الوعد والوعيد لا بالاخبار بأنهم صادقون حتى يسمعوه وقيل وسمعنا قول الرسل أي سمعناه سمع طاعة واذعان ولا يقدر لترى مفعول إذ المعنى لو تكون منك رؤية في ذلك الوقت أو يقدر ما ينبئ عنه صلة إذ والمضي فيها وفي لو باعتبار ان الثابت في علم الله تعالى بمنزلة الواقع وجواب لو محذوف أي لرأيت امرا فظيعا لا يقادر قدره والخطاب لكل أحد ممن يصلح له كائنا من كان إذ المراد بيان كمال سوء حالهم وبلوغها من الفظاعة إلى حيث لا يختص استغرابها واستفظاعها براء دون راء ممن اعتاد مشاهدة الأمور البديعة والدواهي الفظيعة بل كل من يتأتى منه الرؤية يتعجب من هولها وفظاعتها هذا ومن علل عموم الخطاب بالقصد إلى بيان ان حالهم قد بلغت من الظهور إلى حيث يمتنع خفاؤها البتة فلا تختص رؤية راء دون راء بل كل من يتأتي منه الرؤية فله مدخل في هذا الخطاب فقد نأى عن تحقيق الحق لان المقصود بيان كمال فظاعة حالهم كما يفصح عنه الجواب المحذوف لا بيان كمال ظهورها فإنه مسوق مساق المسلمات فتدبر «ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها» مقدر بقول معطوف على ما قدر قبل قوله تعالى ربنا أبصرنا الخ أي ونقول لو شئنا أي لو تعلقت مشيئتنا تعلقا فعليا بأن نعطي كل نفس من النفوس البرة والفاجرة ما تهتدي به إلى الايمان والعمل الصالح لأعطيناها إياه في الدنيا التي هي دار الكسب وما أخرناه إلى دار الجزاء «ولكن حق القول مني» أي سبقت كلمتي حيث قلت لإبليس عند قوله لأغوينهم أجمعين الا عبادك منهم المخلصين فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن اتبعك منهم أجمعين وهو المعنى بقوله تعالى «لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين» كما يلوح به تقديم الجنة على الناس فبموجب ذلك القول لم نشأ اعطاء الهدى على العموم بل منعناه من اتباع إبليس الذين أنتم من جملتهم حيث صرفتم اختياركم إلى الغي بإغوائه ومشيئتنا لافعال العباد منوطة باختيارهم إياها فلما لم تختاروا الهدى واخترتم الضلالة لم نشأ اعطاءه لكم وانما أعطيناه الذين اختاروه من النفوس البرة وهم المعنيون بما سيأتي من قوله تعالى انما يؤمن بآياتنا الآية فيكون مناط عدم مشيئة اعطاء الهدى في الحقيقة سوء اختيارهم لا تحقق القول وانما قيدنا المشيئة بما مر من التعليق الفعلي بأفعال العباد عند حدوثها لان المشيئة الأزلية من حيث تعلقها بما سيكون من افعالهم اجمالا متقدمة على تحقق كلمة العذاب فلا يكون عدمها منوطا بتحققها وانما مناطه علمه تعالى أزلا بصرف
(٨٣)