قويا جاريا مجري الرؤية «أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل» أي يدخل كل واحد منهما في الآخر ويضيفه اليه فيتفاوت بذلك حاله زيادة ونقصانا «وسخر الشمس والقمر» عطف على يولج والاختلاف بينهما صيغة لما ان ايلاج أحد الملوين في الآخر متجدد في كل حين واما تسخير النيرين فأمر لا تعدد فيه ولا تجدد وانما التعدد والتجدد في آثاره وقد أشير إلى ذلك حيث قيل «كل يجري» أي بحسب حركته الخاصة وحركته القسرية على المدارات اليومية المتخالفة المتعددة حسب تعدد الأيام جريا مستمرا «إلى أجل مسمى» قدره الله تعالى لجريهما وهو يوم القيامة كما روي عن الحسن رحمة الله فإنه لا ينقطع جريهما الا حينئذ والجملة على تقدير عموم الخطاب اعتراض بين المعطوفين لبيان الواقع بطريق الاستطراد وعلى تقدير اختصاصه به صلى الله عليه وسلم يجوز ان يكون حالا من الشمس والقمر فإن جريانهما إلى يوم القيامة من جملة ما في حيز رؤيته صلى الله عليه وسلم هذا وقد جعل جريانهما عبارة عن حركتهما الخاصة بهما في فلكهما والأجل المسمى عن منتهى دورتهما وجعل مدة الجريان للشمس سنة وللقمر شهرا فالجملة حينئذ بيان لحكم تسخيرهما وتنبيه على كيفية ايلاج أحد الملوين في الآخر وكون ذلك بحسب اختلاف جريان الشمس على مداراتها اليومية فكلما كان جريانها متوجها إلى سمت الرأس تزداد القوس التي هي فوق الأرض كبرا فيزداد النهار طولا بانضمام بعض اجزاء الليل اليه إلى ان يبلغ المدار الذي هو أقرب المدارات إلى سمت الرأس وذلك عند بلوغها إلى راس السرطان ثم ترجع متوجهة إلى التباعد عن سمت الرأس فلا تزال القسي التي هي فوق الأرض تزداد صغرا فيزداد النهار قصرا بانضمام بعض اجزائه إلى الليل إلى ان يبلغ المدار الذي هو ابعد المدارات اليومية عن سمت الرأس وذلك عند بلوغها برج الجدي وقوله تعالى «وأن الله بما تعملون خبير» عطف على ان الله يولج الخ داخل معه في حيز الرؤية على تقديري خصوص الخطاب وعمومه فإن من شاهد مثل ذلك الصنع الرائق والتدبير الفائق لا يكاد يغفل عن كون صانعه عز وجل محيطا بجلائل اعماله ودقائقها «ذلك» إشارة إلى ما تلى من الآيات الكريمة وما فيه من معنى البعد للايذان ببعد منزلتها في الفضل وهو مبتدأ خبره قوله تعالى «بأن الله هو الحق» أي بسبب بيان انه تعالى هو الحق إلهيته فقط ولاجله لكونها ناطقة بحقية التوحيد «وأن ما يدعون من دونه الباطل» أي ولا جل بيان بطلان الهية ما يدعونه من دونه تعالى لكونها شاهدة بذلك شهادة بينة لا ريب فيها وقرئ بالتاء والتصريح بذلك مع ان الدلالة على اختصاص حقية الإلهية به تعالى مستتبعة للدلالة على بطلان الهية ما عداه لابراز كمال الاعتناء بأمر التوحيد وللإيذان بأن الدلالة على بطلان ما ذكر ليست بطريق الاستتباع فقط بل بطريق الاستقلال أيضا «وأن الله هو العلي الكبير» أي وبيان انه تعالى هو المترفع عن كل شيء المتسلط عليه فإن ما في تضاعيف الآيات الكريمة مبين لاختصاص العلو والكبرياء به تعالى أي بيان هذا وقيل ذلك أي ما ذكر من سعة العلم وشمول القدرة وعجائب الصنع واختصاص الباري تعالى به بسبب انه الثابت في ذاته الواجب من جميع جهاته أو الثابت إلهيته وأنت
(٧٦)