بالتوحيد وقوله تعالى «كيف يحيي» أي الله تعالى «الأرض بعد موتها» في حيز النصب بنزع الخافض وكيف معلق لأنظر أي فانظر إلى احيائه البديع للأرض بعد موتها وقيل على الحالية بالتأويل وأيا ما كان فالمراد بالامر بالنظر التنبيه على عظم قدرته تعالى وسعة رحمته ما فيه من التمهيد لما يعقبه من امر البعث وقرئ تحي بالتأنيث على الاسناد إلى ضمير الرحمة «إن ذلك» العظيم الشأن الذي ذكر بعض شؤونه «لمحيي الموتى» لقادر على احيائهم فإنه احداث لمثل ما كان في مواد أبدانهم من القوى الحيوانية كما ان احياء الأرض احداث لمثل ما كان فيها من القوى النباتية أو لمحييهم البتة وقوله تعالى «وهو على كل شيء قدير» تذييل مقرر لمضمون ما قبله أي مبالغ في القدرة على جميع الأشياء التي من جملتها إحياؤهم لما ان نسبة قدرته إلى الكل سواء «ولئن أرسلنا ريحا فرأوه» أي الأثر المدلول عليه بالآثار أو النبات المعبر عنه بالآثار فإنه اسم جنس يعم القليل والكثير «مصفرا» بعد خضرته وقد جوز ان يكون الضمير للسحاب لأنه إذا كان مصفرا لم يمطر ولا يخفي بعده واللام في لئن موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط والفاء في فرأوه فصيحة واللام في قوله تعالى «لظلوا» لام جواب القسم ساد مسد الجوابين أي وبالله لئن أرسلنا ريحا حارة أو باردة فضربت زرعهم بالصفار فرأوه مصفرا ليظلن «من بعده يكفرون» من غير تلعثم وفيه من ذمهم بعد تثبيتهم وسرعة تزلزلهم بين طرفي الافراط والتفريط مالا يخفي حيث كان الواجب عليهم ان يتوكلوا على الله تعالى في كل حال ويلجئوا اليه بالاستغفار إذا احتبس عنهم القطر ولا ييأسوا من روح الله تعالى ويبادروا إلى الشكر بالطاعة إذا أصابهم برحمته ولا يفرطوا في الاستبشار وان يصبروا على بلائه إذا اعترى زرعهم آفة ولا يكفروا بنعمائه فعكسوا الامر وأبوا ما يجديهم واتوا بما يرديهم «فإنك لا تسمع الموتى» لما انهم مثلهم لانسداد مشاعرهم عن الحق «ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين» تقييد الحكم بما ذكر لبيان كمال سوء حال الكفرة والتنبيه على انهم جامعون لخصلتي السوء نبو اسماعهم عن الحق واعراضهم عن الاصغاء اليه ولو كان فيهم إحداهما لكفاهم ذلك فكيف وقد جمعوهما فإن الأصم المقبل إلى المتكلم ربما يفطن من أوضاعه وحركاته لشيء من كلامه وان لم يسمعه أصلا واما إذا كان معرضا عنه فلا يكاد يفهم منه شيئا وقرئ بالياء المفتوحة ورفع الصم «وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم» سموا عميا اما لفقدهم المقصود الحقيقي من الابصار أو لعمى قلوبهم وقرئ تهدي العمى «إن تسمع» أي ما تسمع «إلا من يؤمن بآياتنا» فإن ايمانهم يدعوهم إلى التدبر فيها وتلقيها بالقبول أو الا من يشارف الايمان بها ويقبل عليها اقبالا لائقا «فهم مسلمون» منقادون لما تأمرهم به من الحق
(٦٥)