«من أنفسكم أزواجا» فإن خلق أصل أزواجكم حواء من ضلع آدم عليه السلام متضمن لخلقهن من أنفسكم على ما عرفته من التحقيق أو من جنسكم لا من جنس آخر وهو الأوفق لقوله تعالى «لتسكنوا إليها» أي لتألفوها وتميلوا إليها وتطمئنوا بها فإن المجانسة من دواعي التضام والتعارف كما ان المخالفة من أسباب التفرق والتنافر «وجعل بينكم» أي بين الأزواج اما على تغليب الرجال على النساء في الخطاب أو على حذف ظرف معطوف على الظرف المذكور أي جعل بينكم وبينهن كما مر في قوله تعالى لا نفرق بين أحد من رسله وقيل أو بين افراد الجنس أي بين الرجال والنساء ويأباه قوله تعالى «مودة ورحمة» فإن المراد بهما ما كان منهما بعصمة الزواج قطعا أي جعل بينكم بالزواج الذي شرعه لكم توادا وتراحما من غير ان يكون بينكم سابقة معرفة ولا رابطة مصححة للتعاطف من قرابة أو رحم قيل المودة والرحمة من قبل الله تعالى والفرك من الشيطان وعن الحسن رحمه الله المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد كما قال تعالى ورحمة منا «إن في ذلك» أي فيما ذكر من خلقهم من تراب وخلق أزواجهم من أنفسهم والقاء المودة والرحمة بينهم وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار اليه للاشعار ببعد منزلته «لآيات» عظيمة لا يكتنه كنهها كثيرة لا يقادر قدرها «لقوم يتفكرون» في تضاعيف تلك الأفاعيل المتينة المبنية على الحكم البالغة والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبله مع التنبيه على ان ما ذكر ليس بآية فذة كما ينبئ عنه قوله تعالى ومن آياته بل هي مشتملة على آيات شتى ومن آياته الدالة على ما ذكر من امر البعث وما يتلوه من الجزاء «خلق السماوات والأرض» اما من حيث ان القادر على خلقهما بما فيهما من المخلوقات بلا مادة مستعدة لها اظهر قدرة على إعادة ما كان حيا قبل ذلك واما من حيث ان خلقهما وما فيهما ليس الا لمعاش البشر ومعادة كما يفصح عنه قوله تعالى هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا وقوله تعالى وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا «واختلاف ألسنتكم» أي لغاتكم بأن علم كل صنف لغته وألهمه وضعها وأقدره عليها أو أجناس نطقكم وإشكاله فإنك لا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفية من كل وجه «وألوانكم» ببياض الجلد وسواده وتوسطه فيما بينهما أو تخطيطات الأعضاء وهيآتها وألوانها وحلاها بحيث وقع بها التمايز بين الاشخاص حتى ان التوأمين مع توافق موادهما وأسبابهما والأمور المتلاقية لهما في التخليق يختلفان في شيء من ذلك لا محالة وان كانا في غاية التشابه وانما نظم هذا في سلك الآيات الآفافية من خلق السماوات والأرض مع كونه من الآيات الأنفسية الحقيقة بالانتظام في سلك ما سبق من خلق أنفسهم وأزواجهم للايذان باستقلاله والاحتراز عن توهم كونه من تتمات خلقهم «إن في ذلك» أي فيما ذكر من خلق السماوات والأرض واختلاف الألسنة والألوان «لآيات» عظيمة في أنفسها كثيرة في عددها «للعالمين» أي المتصفين بالعلم كما في قوله تعالى وما يعقلها
(٥٦)