وانه لابد لها من انتهاء إلى وقت يجازيها فيه الحكيم الذي دبر امرها على الاحسان احسانا وعلى الإساءة مثلها حتى يعلموا عند ذلك ان سائر الخلائق كذلك امرها جار على الحكمة والتدبير وانه لا بد لها من الانتهاء إلى ذلك الوقت وأنت خبير بأن امر معاد الانسان ومجازاته بما عمل من الإساءة والاحسان هو المقصود بالذات والمحتاج إلى الاثبات فجعله ذريعة إلى اثبات معاد ما عداه مع كونه بمعزل من الجزاء تعكيس للامر فتدبر قوله تعالى «وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون» تذييل مقرر لما قبله ببيان ان أكثرهم غير مقتصرين على ما ذكر من الغفلة عن أحوال الآخرة والاعراض عن التفكر فيما يرشدهم إلى معرفتها من خلق السماوات والأرض وما بينهما من المصنوعات بل هم منكرون جاحدون بلقاء حسابه تعالى وجزائه بالبعث «أو لم يسيروا» توبيخ لهم بعدم اتعاظهم بمشاهدة أحوال أمثالهم الدالة على عاقبتهم ومآلهم والهمزة لتقرير المنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي اقعدوا في أماكنهم ولم يسيروا «في الأرض» وقوله تعالى «فينظروا» عطف على يسيروا داخل في حكم التقرير والتوبيخ والمعنى انهم قد ساروا في أقطار الأرض وشاهدوا «كيف كان عاقبة الذين من قبلهم» من الأمم المهلكة كعاد وثمود وقوله تعالى «كانوا أشد منهم قوة» الخ بيان لمبدأ أحوالهم ومآلها يعني انهم كانوا أقدر منهم على التمتع بالحياة الدنيا حيث كانوا أشد منهم قوة «وأثاروا الأرض» أي قلبوها للزراعة والحرث وقيل لاستنباط المياه واستخراج المعادن وغير ذلك «وعمروها» أي عمرها أولئك بفنون العمارات من الزراعة والغرس والبناء وغيرها مما يعد عمارة لها «أكثر مما عمروها» أي عمارة أكثر كما وكيفا وزمانا من عمارة هؤلاء إياها كيف لا وهم أهل واد غير ذي زرع لا تبسط لهم في غيره وفيه تهكم بهم حيث كانوا مغترين بالدنيا مفتخرين بمتاعها مع ضعف حالهم وضيق عطنهم إذ مدار امرها على التبسط في البلاد والتسلط على العباد والتقلب في أكناف الأرض بأصناف التصرفات وهم ضعفة ملجئون إلى واد لا نفع فيه يخافون ان يتخطفهم الناس «وجاءتهم رسلهم بالبينات» بالمعجزات أو الآيات الواضحات «فما كان الله ليظلمهم» أي فكذبوهم فأهلكهم فما كان الله ليهلكهم من غير جرم يستدعيه من قبلهم والتعبير عن ذلك بالظلم مع ان اهلاكه تعالى إياهم بلا جرم ليس من الظالم في شيء على ما تقرر من قاعدة أهل السنة لاظهار كمال نزاهته تعالى عن ذلك بإبرازه في معرض ما يستحيل صدوره عنه تعالى وقد مر في سورة الأنفال وسورة آل عمران «ولكن كانوا أنفسهم يظلمون» بأن اجترءوا على اقتراف ما يوجبه من المعاصي العظيمة «ثم كان عاقبة الذين أساؤوا» أي عملوا السيئات
(٥٢)