دون الواحدة كما توهم أي يعلمون ظاهرا حقيرا خسيسا من الدنيا «وهم عن الآخرة» التي هي الغاية القصوى والمطلب الأسنى «هم غافلون» لا يخطرونها بالبال ولا يدركون من الدنيا ما يؤدي إلى معرفتها من أحوالها ولا يتفكرون فيها كما سيأتي والجملة معطوفة على يعلمون وايرادها اسمية للدلالة على استمرار غفلتهم ودوامها وهم الثانية تكرير للأولى أو مبتدأ وغافلون خبره والجملة خبر للأولى وهو على الوجهين مناد على تمكن غفلتهم عن الآخرة المحققة لمقتضى الجملة المتقدمة تقريرا لجهالتهم وتشبيها لهم بالبهائم المقصور ادراكاتها من الدنيا على ظواهرها الخسيسة دون أحوالها التي هي مبادى العلم بأمور الآخرة واشعارا بأن العلم المذكور وعدم العلم رأسا سيان «أو لم يتفكروا» انكار واستقباح لقصر نظرهم على ما ذكر من ظاهر الحياة الدنيا مع الغفلة عن الآخرة والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام وقوله تعالى «في أنفسهم» ظرف للتفكر وذكره مع ظهور استحالة كونه في غيرها لتحقيق امره وتصوير حال المتفكرين وقوله تعالى «ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما» الخ متعلق اما بالعلم الذي يؤدي اليه التفكر ويدل عليه أو بالقول الذي يترتب عليه كما في قوله تعالى «ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا» أي اعلموا ظاهر الحياة الدنيا فقط أو اقصروا النظر عليه ولم يحدثوا التفكر في قلوبهم فيعلموا انه تعالى ما خلقهما وما بينهما من المخلوقات التي هم من جملتها ملتبسة بشيء من الأشياء «إلا» ملتبسة «بالحق» أو يقولوا هذا القول معترفين بمضمونه اثر ما علموه والمراد بالحق هو الثابت الذي يحق ان يثبت لا محالة لابتنائه على الحكمة البالغة والغرض الصحيح الذي هو استشهاد المكلفين بذواتها وصفاتها وأحوالها المتغيرة على وجود صانعها عز وجل ووحدته وعلمه وقدرته وحكمته واختصاصه بالمعبودية وصحة اخباره التي من جملتها إحياؤهم بعد الفناء بالحياة الأبدية ومجازاتهم بحسب اعمالهم غب ما تبين المحسن من المسئ وامتازت درجات افراد كل من الفريقين حسب امتياز طبقات علومهم واعتقاداتهم المترتبة على انظارهم فيما نصب في المصنوعات من الآيات والدلائل والامارات والمخايل كما نطق به قوله تعالى وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا فإن العمل غير مختص بعمل الجوارح ولذلك فسره صلى الله عليه وسلم بقوله أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله واسرع في طاعة الله وقد مر تحقيقه في أوائل سورة هود عليه السلام وقوله تعالى «وأجل مسمى» عطف على الحق أي وبأجل معين قدرة الله تعالى لبقائها لا بد لها من ان تنتهي اليه لا محالة وهو وقت قيام الساعة هذا وقد جوز ان يكون قوله تعالى في أنفسهم صلة للتفكر على معنى أو لم يتفكروا في أنفسهم التي هي أقرب المخلوقات إليهم وهم اعلم بشئونها واخبر بأحوالها منهم بأحوال ما عداها فيتدبروا ما أودعها الله تعالى ظاهرا وباطنا من غرائب الحكم الدالة على التدبير دون الاهمال
(٥١)