جئ بالجملة الاسمية دلالة على تحقق الإحاطة واستمرارها أو تنزيلا لحال السبب منزلة حال المسبب فإن الكفر والمعاصي الموجبة لدخول جهنم محيطة بهم وقيل إن الكفر والمعاصي هي النار في الحقيقة لكنها ظهرت في هذه النشأة بهذه الصورة وقد مر تفصيله في سورة الأعراف عند قوله تعالى «والوزن يومئذ الحق» ولام الكافرين إما للعهد ووضع الظاهر موضع المضمر للاشعار بعلة الحكم أو للجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا «يوم يغشاهم العذاب» ظرف لمضمر قد طوى ذكره إيذانا بغاية كثرته وفظاعته كأنه قيل يوم يغشاهم العذاب الذي أشير اليه بإحاطة جهنم بهم يكون من الأحوال والأهوال ما لا يفي به المقال وقيل ظرف للإحاطة «من فوقهم ومن تحت أرجلهم» أي من جميع جهاتهم «ويقول» أي الله عز وجل ويعضده القراءة بنون العظمة أو بعض ملائكته بأمره «ذوقوا ما كنتم تعملون» أي جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا على الاستمرار من السيئات التي من جملتها الاستعجال بالعذاب «يا عبادي الذين آمنوا» خطاب تشريف لبعض المؤمنين الذين لا يتمكنون من إقامة أمور الدين كما ينبغي لممانعة من جهة الكفرة وإرشاد لهم إلى الطريق الأسلم «إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون» أي إذا لم يتسهل لكم العبادة في بلد ولم يتيسر لكم إظهار دينكم فهاجروا إلى حيث يتسنى لكم ذلك وعنه صلى الله عليه وسلم من فر بدينه من ارض إلى ارض ولو كان شبرا استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد عليهما السلام والفاء جواب شرط محذوف إذ المعنى إن ارضى واسعة إن لم تخلصوا العبادة لي في ارض فأخلصوها في غيرها ثم حذف الشرط وعوض عنه تقديم المفعول مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص والاخلاص «كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون» جملة مستأنفة جئ بها حثا على المسارعة في الامتثال بالامر أي كل نفس من النفوس واجدة مرارة الموت وكربه فراجعة إلى حكمنا وجزائنا بحسب أعمالها فمن كانت عاقبته هذه فليس له بد من التزود والاستعداد لها وقرئ يرجعون «والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم» لننزلنهم «من الجنة غرفا» أي علالى وهو مفعول ثان للتبوئة وقرئ لنثوينهم من الثواء بمعنى الإقامة فانتصاب غرفا حينئذ إما بإجرائه مجرى لننزلنهم أو بنزع الخافض أو بتشببه الظرف الموقت بالمبهم كما في قوله تعالى لأقعدن لهم صراطك المستقيم «تجري من تحتها الأنهار» صفة لغرفا «خالدين فيها» أي في الغرف أو في الجنة «نعم أجر العاملين» أي الاعمال الصالحة والمخصوص بالمدح محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه وقرئ فمنعم
(٤٥)