يشرك به تؤمنوا» أي بالإشراك به وتسارعوا فيه وفي إيراد إذا وصيغة الماضي في الشرطية الأولى وإن وصيغة المضارع في الثانية مالا يخفى من الدلالة على كمال سوء حالهم وحيث كان حالكم كذلك «فالحكم لله» الذي لا يحكم الا بالحق ولا يقضي الا بما تقتضيه الحكمة «العلي الكبير» الذي ليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في افعاله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه وقد حكم بأنه لا مغفرة للمشرك ولا نهاية لعقوبته كما لا نهاية لشناعته فلا سبيل لكم إلى الخروج ابدا «هو الذي يريكم آياته» الدالة على شؤونه العظيمة الموجبة لتفرده بالألوهية لتستدلوا بها على ذلك وتعملوا بموجبها فتوحدوه تعالى وتخصوه بالعبادة «وينزل» بالتشديد وقرئ بالتخفيف من الانزال «لكم من السماء رزقا» أي سبب رزق وهو المطر وافراده بالذكر مع كونه من جملة الآيات الدالة على كمال قدرته تعالى لنفرده بعنوان كونه من آثار رحمته وجلائل نعمته الموجبة للشكر وصيغة المضارع في الفعلين الدلالة على تجدد الإراءة والتنزيل واستمرارهما وتقديم الجار والمجرور على المفعول لما مر غير مرة «وما يتذكر» بتلك الآيات الباهرة ولا يعمل بمقتضاها «إلا من ينيب» إلى الله تعالى ويتفكر فيما أودعه في تضاعيف مصنوعاته من شواهد قدرته الكاملة ونعمته الشاملة الموجبة لتخصيص العبادة به تعالى ومن ليس كذلك فهو بمعزل من التذكر والاتعاظ «فادعوا الله مخلصين له الدين» أي إذا كان الامر كما ذكر من اختصاص التذكر بمن ينيب فاعبدوه أيها المؤمنون مخلصين له دينكم بموجب إنابتكم اليه تعالى وايمانكم به «ولو كره الكافرون» ذلك وغاظهم إخلاصكم «رفيع الدرجات» نحو بديع السماوات على انه صفة مشبهة أضيفت إلى فاعلها بعد النقل إلى فعل بالضم كما هو المشهور وتفسيره بالرافع ليكون من إضافة اسم الفاعل إلى المفعول بعيد في الاستعمال أي رفيع درجات ملائكته أي معارجهم ومصاعدهم إلى العرش «ذو العرش» أي مالكه وهما خبران آخران لقوله تعالى هو اخبر عنه بهما ايذانا بعلو شأنه تعالى وعظم سلطانه الموجبين لتخصيص العبادة به واخلاص الدين له اما بطريق الاستشهاد بهما عليهما فإن ارتفاع معارج ملائكته إلى العرش وكون العرش العظيم المحيط بأكناف العالم العلوي والسفلي تحت ملكوته وقبضة قدرته مما يقضي بكون علو شأنه وعظم سلطانه في لا غاية وراءها واما بجعلهما عبارة عنهما بطريق المجاز المتفرع على الكناية كالاستواء على العرش وتمهيدا لما يعقبهما من قوله تعالى «يلقي الروح من أمره» فإنه خبر آخر لما ذكر منبىء عن انزال الرزق الروحاني الذي هو الوحي بعد بيان انزال الرزق الجسماني الذي هو المطر أي ينزل الوحي الجاري من القلوب منزلة الروح من الأجساد وقوله
(٢٧٠)