من امر البعث والحساب والجزاء أي وما خلقناهما وما بينهما من المخلوقات على هذا النظام البديع الذي تحار في فهمه العقول خلقا باطلا أي خاليا عن الغاية الجليلة والحكمة الباهرة بل منطويا على الحق المبين والحكم البالغة حيث خلقنا من بين ما خلقنا نفوسا أودعناها العقل والتمييز بين الحق والباطل والنافع والضار ومكناها من التصرفات العلمية والعملية في استجلاب منافعها واستدفاع مضارها ونصبنا للحق دلائل آفاقية وأنفسية ومنحناها القدرة على الاستشهاد بها ثم لم نقتصر على ذلك المقدار من الالطاف بل أرسلنا إليها رسلا وأنزلنا عليها كتابا بينا فيها كل دقيق وجليل وأزحنا عللها بالكلية وعرضناها بالتكليف للمنافع العظيمة وأعددنا لها عاقبة وجزاء على حسب اعمالها «ذلك» إشارة إلى ما نفي من خلق ما ذكر باطلا «ظن الذين كفروا» أي مظنونهم فإن جحودهم بأمر البعث والجزاء الذي عليه يدور فلك تكوين العالم قول منهم ببطلان خلق ما ذكر وخلوه عن الحكمة سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا «فويل للذين كفروا» مبتدأ وخبر والفاء لإفادة ترتب ثبوت الويل لهم على ظنهم الباطل كما ان وضع الموصول موضع ضميرهم للاشعار بما في حيز الصلة بعلية كفرهم له ولا تنافي بينهما لان ظنهم من باب كفرهم ومن في قوله تعالى «من النار» تعليلية كما في قوله تعالى فويل لهم مما كتبت أيديهم ونظائره مفيدة لعلية النار لثبوت الويل لهم صريحا بعد الاشعار بعلية ما يؤدي إليها من ظنهم وكفرهم أي فويل لهم بسبب النار المترتبة على ظنهم وكفرهم «أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض» أم منقطعة وما فيها من بل للاضراب الانتقالي عن تقرير امر البعث والحساب والجزاء بما مر من نفي خلق العالم خاليا عن الحكم والمصالح إلى تقريره وتحقيقه بما في الهمزة من انكار التسوية بين الفريقين ونفيها على أبلغ وجه وآكده أي بل أنجعل المؤمنين المصلحين كالكفرة المفسدين في أقطار الأرض كما يقتضيه عدم البعث وما يترتب عليه من الجزاء لاستواء الفريقين في التمتع بالحياة الدنيا بل الكفرة أوفر حظا منها من المؤمنين لكن ذلك الجعل محال فتعين البعث والجزاء حتما لرفع الأولين إلى أعلى عليين ورد الآخرين إلى أسفل سافلين وقوله تعالى «أم نجعل المتقين كالفجار» اضراب وانتقال عن اثبات ما ذكر بلزوم المحال الذي هو التسوية بين الفريقين المذكورين على الاطلاق إلى اثباته بلزوم ما هو اظهر منه استحالة وهو التسوية بين أتقياء المؤمنين وأشقياء الكفرة وحمل الفجار على فجرة المؤمنين مما لا يساعده المقام ويجوز ان يراد بهذين الفريقين عين الأولين ويكون التكرير باعتبار وصفين آخرين هما ادخل في انكار التسوية من الوصفين الأولين وقيل قال كفار قريش للمؤمنين انا نعطي في الآخرة من الخير ما تعطون فنزلت «كتاب» خبر مبتدأ محذوف هو عبارة عن القرآن أو السورة وقوله تعالى «أنزلناه إليك» صفته
(٢٢٤)