وقوله تعالى «مبارك» خبر ثان للمبتدأ أو صفة لكتاب عند من يجوز تأخير الوصف الصريح عن غير الصريح وقرئ مباركا على انه حال من مفعول أنزلنا ومعنى المبارك الكثير المنافع الدينية والدنيوية وقوله تعالى «ليدبروا آياته» متعلق بأنزلناه أي أنزلناه ليتفكروا في آياته التي من جملتها هذه الآيات المعربة عن اسرار التكوين والتشريع فيعرفوا ما يدبر ظاهرها من المعاني الفائقة والتأويلات اللائقة وقرئ ليتدبروا على الأصلي ولتدبروا على الخطاب أي أنت وعلماء أمتك بحذف احدى التاءين « وليتذكر أولوا الألباب» أي وليتعظ به ذوو العقول السليمة أو ليستحضروا ما هو كالمركوز في عقولهم من فرط تمكنهم من معرفته لما نصب عليه من الدلائل فإن الكتب الإلهية مبينة لما لا يعرف الا بالشرع ومرشدة إلى مالا سبيل للعقل اليه «ووهبنا لداود سليمان نعم العبد» وقرئ نعم العبد أي سليمان كما ينبئ عنه تأخيره عن داود مع كونه مفعولا صريحا لوهبنا ولان قوله تعالى «إنه أواب» أي رجاع إلى الله تعالى بالتوبة أو إلى التسبيح مرجع له تعليل للمدح وهو من حاله لما ان الضمير المجرور في قوله تعالى «إذ عرض عليه» راجع اليه عليه الصلاة والسلام قطعا وإذ منصوب باذكر أي اذكر ما صدر عنه إذ عرض عليه «بالعشي» هو من الظهر إلى آخر النهار «الصافنات» فإنه يشهد بأنه أواب وقيل ظرف لأواب وقيل لنعم وتأخير الصافنات عن الظرفين لما مر مرارا من التشويق إلى المؤخر والصافن من الخيل الذي يقوم على طرف سنبك يد أو رجل وهو من الصفات المحمودة في الخيل لا يكاد ينفق الا في العراب الخلص وقيل هو الذي يجمع يديه ويسويهما واما الذي يقف على سنبكه فهو المنخيم «الجياد» جمع جواد وجود وهو الذي يسرع في جريه وقيل الذي يجود عند الركض وقيل وصفت بالصفون والجودة لبيان جمعها بين الوصفين المحمودين واقفة وجارية أي إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها وإذا جرت كانت سراعا خفافا في جريها وقيل هو جمع جيد روى انه عليه الصلاة والسلام غزا أهل دمشق ونصيبين وأصاب الف فرس وقيل أصابها أبوه من العمالقة فورثها منه وقيل خرجت من البحر لها أجنحة فقعد يوما بعدما صلى الظهر على كرسيه فاستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس وغفل عن العصر أو عن ورد كان له من الذكر وقتئذ وتهيبوه فلم يعلموه فاغتم لما فاته فاستردها فعقرها تقربا لله تعالى وبقى مائة فما في أيدي الناس من الجياد فمن نسلها وقيل لما عقرها أبدله الله خيرا منها وهي الريح تجري بأمره «فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي» قاله عليه الصلاة والسلام عند غروب الشمس اعترافا بما صدر عنه من الاشتغال بها عن الصلاة وندما عليه وتمهيدا لما يعقبه من الامر بردها وعقرها والتعقيب باعتبار أواخر العرض المستمر دون ابتدائه
(٢٢٥)