مراعاة للأدب أو لأنه وسوس إلى اتباعه حتى رفضوه وأخرجوه من ديارهم أو لان المراد بالنصب ما كان يوسوس به اليه في مرضه من تعظيم ما نزل به من البلاء والقنوط من الرحمة ويغريه على الكراهة والجزع فالتجأ إلى الله تعالى في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء أو بالتوفيق لدفعه ورده بالصبر الجميل وليس هذا تمام دعائه عليه الصلاة والسلام بل من جملته قوله وأنت ارحم الراحمين فاكتفى ههنا عن ذكره بما في سورة الأنبياء كما ترك هناك ذكر الشيطان ثقة بما ذكر ههنا وقوله تعالى «اركض برجلك» الخ إما حكاية لما قيل له أو مقول لقول مقدر معطوف على نادى أي فقلنا له اركض برجلك أي اضرب بها الأرض وكذا قوله تعالى «هذا مغتسل بارد وشراب» فإنه أيضا إما حكاية لما قيل له بعد امتثاله بالامر ونبوع الماء أو مقول لقول مقدر معطوف على مقدر ينساق اليه الكلام كأنه قيل فضربها فنبعت عين فقلنا له هذا مغتسل تغتسل به وتشرب منه فيبرأ ظاهرك وباطنك وقيل نبعت عينان حارة للاغتسال وباردة للشرب ويأباه ظاهر النظم الكريم وقوله تعالى «ووهبنا له أهله» معطوف على مقدر مترتب على مقدر آخر يقتضيه القول المقدر آنفا كأنه قيل فاغتسل وشرب فكشفنا بذلك ما به من ضر كما في سورة الأنبياء ووهبنا له أهله إما بإحيائهم بعد هلاكهم وهو المروى عن الحسن أو بجمعهم بعد تفرقهم كما قيل «ومثلهم معهم» عطف على أهله فكان له من الأولاد ضعف ما كان له قبل «رحمة منا» أي لرحمة عظيمة عليه من قبلنا «وذكرى لأولي الألباب» ولتذكيرهم بذلك ليصبروا عل الشدائد كما صبر ويلجأوا إلى الله عز وجل فيما يحيق بهم كما لجأ ليفعل بهم ما فعل به من حسن العاقبة «وخذ بيدك ضغثا» معطوف على اركض أو على وهبنا بتقدير قلنا أي وقلنا خذ بيدك الخ والأول أقرب لفظا وهذا انسب معنى فإن الحاجة إلى هذا الامر لا تمس إلا بعد الصحة فإن امرأته رحمة بنت إفرايم بن يوسف وقيل ليا بنت يعقوب وقيل ماصر بنت ميشا بن يوسف عليه السلام ذهبت لحاجة فأبطأت فحلف إن برئ ليضربنها مائة ضربة فأمره الله تعالى بأخذ الضغث والضغث الحزمة الصغيرة من الحشيش ونحوه وعن ابن عباس رضى الله عنهما قبضة من الشجر وقال «فاضرب به» أي بذلك الضغث «ولا تحنث» في يمينك فإن البر يتحقق به ولقد شرع الله سبحانه هذه الرخصة رحمة عليه وعليها الحسن خدمتها إياه ورضاه عنها وهي باقية ويجب أن يصيب المضروب كل واحد من المائة إما بأطرافها قائمة أو بأعراضها مبسوطة على هيئة الضرب «إنا وجدناه صابرا» فيما أصابه في النفس والأهل والمال وليس في شكواه إلى الله تعالى إخلال بذلك فإنه لا يسمى جزعا كتمنى العافية وطلب الشفاء على أنه قال ذلك خيفة الفتنة في الدين حيث كان الشيطان يوسوس إلى قومه
(٢٢٩)