«فغفرنا له ذلك» أي ما استغفر منه وروى انه عليه الصلاة والسلام بقي ساجدا أربعين يوما وليلة لا يرفع رأسه الا الصلاة مكتوبة أو لما لا بد منه ولا يرقأ دمعه حتى نبت منه العشب إلى رأسه ولم يشرب ماء الا ثلثاه دمع وجهد نفسه راغبا إلى الله تعالى في العفو عنه حتى كاد يهلك واشتغل بذلك عن الملك حتى وثب ابن له يقال له أيشا على ملكه ودعا إلى نفسه فاجتمع اليه أهل الزيغ من بني إسرائيل فلما غفر له حاربه فهزمه «وإن له عندنا لزلفى» لقرابة وكرامة بعد المغفرة «وحسن مآب» حسن مرجع في الجنة «يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض» اما حكاية لما خوطب به عليه الصلاة والسلام مبينة لزلفاه عنده عز وجل واما مقول قول مقدر هو معطوف على غفرنا أو حال من فاعله أي وقلنا له أو قائلين له يا داود الخ أي استخلفناك على الملك فيها والحكم فيما بين أهلها أو جعلناك خليفة ممن كان قبلك من الأنبياء القائمين بالحق وفيه دليل بين على ان حاله عليه الصلاة والسلام بعد التوبة كما كانت قبلها لم تتغير قط «فاحكم بين الناس بالحق» بحكم الله تعالى فإن الخلافة بكلا معنييه مقتضية له حتما «ولا تتبع الهوى» أي هوى النفس في الحكومات وغيرها من أمور الدين والدنيا «فيضلك عن سبيل الله» بالنصب على انه جواب النهي وقيل هو مجزوم بالعطف على النهي مفتوح لالتقاء الساكنين أي فيكون الهوى أو اتباعه سببا لضلالك عن دلائله التي نصها على الحق تكوينا وتشريعا وقوله تعالى «إن الذين يضلون عن سبيل الله» تعليل لما قبله ببيان غائلته واظهار سبيل الله في موقع الاضمار لزيادة التقرير والايذان بكمال شناعة الضلال عنه «لهم عذاب شديد» جملة من خبر ومبتدأ وقعت خبرا لان أو الظرف خبر لان وعذاب مرتفع على الفاعلية بما فيه من معنى الاستقرار «بما نسوا» بسبب نسيانهم وقوله تعالى «يوم الحساب» اما مفعول لنسوا فيكون تعليلا صريحا لثبوت العذاب الشديد لهم بنسيان يوم الحساب بعد الاشعار بعلية ما يستتبعه ويستلزمه اعني الضلال عن سبيل الله تعالى فإنه مستلزم لنسيان يوم الحساب بالمرة بل هذا فرد من افراده أو ظرف لقوله تعالى لهم أي لهم عذاب شديد يوم القيامة بسبب نسيانهم الذي هو عبارة عن ضلالهم ومن ضرورته ان يكون مفعوله سبيل الله فيكون التعليل المصرح به حينئذ عين التعليل المشعر به بالذات غيره بالعنوان ومن لم يتنبيه لهذا السر السرى قال بسبب نسيانهم وهو ضلالهم عن السبيل فإن تذكره يقتضى ملازمة الحق ومخالفة الهوى فتدبر «وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا» كلام مستأنف مقرر لما قبله
(٢٢٣)