عند التحقيق إلى معنى مطلق هو مدلول لفظ الفعل والى معنى مخصوص يقارنه ويقيده وهو اثره في الحقيقة فإن معنى نصر مثلا فعل النصر يرشدك إلى ذلك قولهم معنى فلان يعطى ويمنع يفعل الاعطاء والمنع فمورد القصر في الحقيقة ما يتعلق بالفعل باعتبار النفي فيه والاثبات فيما يتعلق به فالمعنى وعلم داود عليه السلام انما فعلنا به الفتنة لاغير قيل ابتليناه بامرأة أو ريا وقيل امتحناه بتلك الحكومة هل يتنبه بها لما قصد منها وايثار طريق التمثيل لأنه أبلغ في التوبيخ فإن التأمل فيه إذا أداه إلى الشعور بما هو الغرض كان أوقع في نفسه وأعظم تأثيرا في قلبه وادعى إلى التنبه للخطأ مع ما فيه من مراعاة حرمته عليه الصلاة والسلام بترك المجاهرة والاشعار بأنه امر يستحي من التصريح به وتصويره التحاكم لالجائه عليه الصلاة والسلام إلى التصريح بنسبة نفسه إلى الظلم وتنبيهه عليه الصلاة والسلام على ان أوروبا بصدد الخصام «فاستغفر ربه» اثر ما علم ان ما صدر عنه ذنب «وخر راكعا» أي ساجدا على تسمية السجود ركوعا لأنه مبدؤه أو خر للسجود راكعا أي مصليا كأنه احرم بركعتي الاستغفار «وأناب» أي رجع إلى الله تعالى بالتوبة واصل القصة ان داود عليه السلام رأى امرأة رجل يقال له أوريا فمال قلبه إليها فسأله ان يطلقها فاستحي ان يرده ففعل فتزوجها وهي أم سليمان عليه السلام وكان ذلك جائزا في شريعته معتادا فيما بين أمته غير مخل بالمروءة حيث كان يسأل بعضهم بعضا ان ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته وقد كان الأنصار في صدر الاسلام يواسون المهاجرين بمثل ذلك من غير نكير خلا انه عليه الصلاة والسلام لعظم منزلته وارتفاع مرتبته وعلو شأنه نبه بالتمثيل على انه لم يكن ينبغي له ان يتعاطى ما يتعاطاه آحاد أمته ويسأل رجلا ليس له الا امرأة واحدة ان ينزل عنها فيتزوجها مع كثرة نسائه بل كان يجب عليه ان يغالب هواه ويقهر نفسه ويصبر على ما امتحن به وقيل لم يكن أوريا تزوجها بل كان خطبها ثم خطبها داود عليه السلام فآثره عليه السلام أهلها فكان ذنبه عليه الصلاة والسلام ان خطب على حطبة أخيه المسلم هذا واما ما يذكر من انه عليه الصلاة والسلام دخل ذات يوم محرابه وأغلق بابه وجعل يصلى ويقرأ الزبور فبينما هو كذلك إذ جاءه الشيطان في صورة حمامة من ذهب فمد يده ليأخذها لابن صغير له فطارت فامتد إليها فطارت فوقعت في كوة فتبعها فأبصر امرأة جميلة قد نقضت شعرها فغطى بدنها وهي امرأة أوريا وهو من غزاة البلقاء فكتب إلى أيوب بن صوريا وهو صاحب بعث البلقاء ان ابعث أوريا وقدمه على التابوت وكان من يتقدم على التابوت لا يحل له ان يرجع حتى يفتح الله على يديه أو يستشهد ففتح الله تعالى على يده وسلم فأمر برده مرة أخرى وثالثة حتى قتل واتاه خبر قتله فلم يحزن كما كان يحزن على الشهداء وتزوج امرأته فإفك مبتدع مكروه ومكر مخترع بئسما مكروه تمجه الاسماع وتنفر عنه الطباع ويل لمن ابتدعه واشاعه وتبا لمن اخترعه وأذاعه ولذلك قال علي رضي الله عنه من حدث بحديث داود عليه السلام على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين وذلك حد الفرية على الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم هذا وقد قيل ان قوما قصدوا ان يقتلوه عليه الصلاة والسلام فتسوروا المحراب ودخلوا عليه فوجدوا عنده أقواما فتصنعوا بهذا التحاكم فعلم عليه الصلاة والسلام غرضهم فهم بأن ينتقم منهم فظن ان ذلك ابتلاء له من الله عز وجل فاستغفر ربه مما هم به وأناب
(٢٢٢)