من كل ذليل المرتكبين لأكبر الكبائر المصرين على أعظم المعاصي أو تذكر قصته عليه الصلاة والسلام وصن نفسك ان تزل فيما كلفت من مصابرتهم وتحمل أذيتهم كيلا يلقاك ما لقيه من المعاتبة «ذا الأيد» أي ذا القوة يقال فلان أيد وذو أيد وآد بمعنى وأياد كل شئ ما يتقوى به «إنه أواب» رجاع إلى مرضاة الله تعالى وهو تعليل لكونه ذا الأيد ودليل على ان المراد به القوة في الدين فإنه عليه الصلاة والسلام كان يصوم يوما ويفطر يوما ويقوم نصف الليل «إنا سخرنا الجبال معه» استئناف مسوق لتعليل قوته في الدين وأو أبيته إلى مرضاته تعالى ومع متعلقة بالتسخير وإيثارها على اللام لما أشير إليه في سورة الأنبياء من أن تسخير الجبال له عليه الصلاة والسلام لم يكن بطريق تفويض التصرف الكلى فيها إليه عليه الصلاة والسلام كتسخير الريح وغيرها لسليمان عليه السلام بل بطريق التبعية له عليه الصلاة والسلام والاقتداء به في عبادة الله تعالى وقيل متعلقة بما بعدها وهو أقرب بالنسبة إلى ما في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام «يسبحن» أي يقدسن الله عز وجل بصوت يتمثل له أو بخلق الله تعالى فيها الكلام أو بلسان الحال وقيل يسرن معه من السباحة وهو حال من الجبال وضع موضع مسبحات للدلالة على تجدد التسبيح حالا بعد حال واستئناف مبين لكيفية التسخير «بالعشي والإشراق» أي ووقت الاشراق وهو حين تشرق أي تضئ ويصفو شعاعها وهو وقت الضحى وأما شروقها فطلوعها يقال شرقت الشمس ولما تشرق وعن أم هانئ رضى الله عنها انه عليه الصلاة والسلام صلى صلاة الضحى وقال هذه صلاة الاشراق وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية «والطير» عطف على الجبال «محشورة» حال من الطير والعامل سخرنا أي وسخرنا الطير حال كونها محشورة عن ابن عباس رضى الله عنهما كان إذا سبح جاوبته الجبال بالتسبيح واجتمعت اليه الطير فسبحت وذلك حشرها وقرئ والطير محشورة بالرفع على الابتداء والخبرية «كل له أواب» استئناف مقرر لمضمون ما قبله مصرح بما فهم منه إجمالا من تسبيح الطير أي كل واحد من الجبال والطير لأجل تسبيحه رجاع إلى التسبيح ووضع الأواب موضع المسبح إما لأنها كانت ترجع التسبيح والمرجع رجاع لأنه يرجع إلى فعله رجوعا بعد رجوع وإما لأن الأواب هو التواب الكثير الرجوع إلى الله تعالى ومن دأبه إكثار الذكر وإدامة التسبيح والتقديس وقيل الضمير لله عز وجل أي كل من داود والجبال والطير لله أواب أي مسبح مرجع للتسبيح «وشددنا ملكه» قويناه بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود وقرئ بالتشديد للمبالغة قيل كان يبيت حول محرابه أربعون الف مستلئم وقيل ادعى رجل على آخر بقرة وعجز عن إقامة البينة فأوحى الله تعالى إليه في المنام ان اقتل المدعى عليه فتأخر فأعيد الوحي في اليقظة فأعلمه الرجل فقال إن الله تعالى لم يأخذني
(٢١٩)