أم أراد بهم ربهم رشدا) *، فحذف الفاعل في إرادة الشر تأدبا مع الله، وأضافوا إرادة الرشد إليه.
وقريب من هذا قوله تعالى حاكيا عن يوسف عليه السلام، في خطابه لما اجتمع أبوه وإخوته: * (إذ أخرجني من السجن) *، ولم يقل: " من الجب " مع أن الخروج منه أعظم من الخروج من السجن.
وإنما آثر ذكر السجن لوجهين ذكرهما ابن عطية:
أحدهما: أن في ذكر الجب تجديد فعل إخوته، وتقريعهم بذلك، وتجديد تلك الغوائل.
والثاني: أنه خرج من الجب إلى الرق، ومن السجن إلى الملك، والنعمة هنا أوضح. انتهى وأيضا ولأن بين الحالين بونا من ثلاثة أوجه: قصر المدة في الجب وطولها في السجن، وأن الجب كان في حال صغره، ولا يعقل فيها المصيبة، ولا تؤثر في النفس كتأثيرها في حال الكبر. والثالث أن أمر الجب كان بغيا وظلما لأجل الحسد، وأمر السجن كان لعقوبة أمر ديني هو منزه عنه، وكان أمكن في نفسه. والله أعلم بمراده.
ومثله قوله تعالى: * (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) *، وقال:
* (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم) *، فحذف الفاعل عند ذكر الرفث وهو الجماع، وصرح به عند إحلال العقد.
وقال تعالى: * (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به) *، فحذف الفاعل عند ذكر هذه الأمور.