معارضته فيها للتهكم، كما يقوله الواثق بغلبته على من يعاديه: " إن غلبتك "، وهو يعلم أنه غالبه تهكما به.
وقوله تعالى: * (أفمن يخلق كمن لا يخلق) *، والمراد ب " من لا يخلق " الأصنام، وكان أصله كما لا يخلق، لأن " ما " لمن لا يعقل بخلاف " من "، لكن خاطبهم على معتقدهم; لأنهم سموها آلهة، وعبدوها فأجروها مجرى أولى العلم، كقوله للأصنام: * (ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد...) * الآية، أجرى عليهم ضمير أولى العقل. كذا قيل.
ويرد عليه أنه إذا كان معتقدهم خطأ وضلالة، فالحكم يقتضى ألا ينزعوا عنه ويقلعوا، لا أن يبقوا عليه; إلا أن يقال: الغرض من الخطاب الإيهام، ولو خاطبهم على خلاف معتقدهم فقال: " كما لا يخلق "، لاعتقدوا تعالى أن المراد به غير الأصنام من الجماد.
وكذا ما ورد من الخطاب بعسى ولعل; فإنها على بابها في الترجي والتوقع، ولكنه راجع إلى المخاطبين، قال الخليل وسيبويه في قوله تعالى: * (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) *: اذهبا إلى رجائكما وطمعكما، لعله يتذكر عندكما، فأما الله تعالى فهو عالم بعاقبة أمره، وما يؤول إليه; لأنه يعلم الشئ قبل أن يكون. وهذا أحسن من قول الفراء: إنها تعليلة، أي كي يتذكر، لما فيه من إخراج اللفظ عن موضعه.
ومنه التعجب الواقع في كلام الله، نحو: * (فما أصبرهم على النار) *، أي هم أهل أن يتعجب منهم، ومن طول تمكنهم في النار.