قال الشيخ صفي الدين بن أبي المنصور في كتاب،، فك الأزرار عن عنق الأسرار،،: لما أراد ذكر العيب للسفينة نسبه لنفسه أدبا مع الربوبية، فقال:
" فأردت " ولما كان قتل الغلام مشترك الحكم بين المحمود والمذموم، استتبع نفسه مع الحق، فقال في الإخبار بنون الاستتباع، ليكون المحمود من الفعل - وهو راحة أبويه المؤمنين من كفره - عائدا على الحق سبحانه، والمذموم ظاهرا - وهو قتل الغلام بغير حق - عائدا عليه. وفى إقامة الجدار كان خيرا محضا، فنسبه للحق فقال: * (فأراد ربك) *، ثم بين أن الجميع من حيث العلم التوحيدي من الحق، بقوله: * (وما فعلته عن أمري) *.
وقال ابن عطية: إنما أفرد أولا في الإرادة لأنها لفظ غيب، وتأدب بأن لم يسند الإرادة فيها إلا إلى نفسه، كما تأدب إبراهيم عليه السلام في قوله: * (وإذا مرضت فهو يشفين) *، فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله، وأسند المرض إلى نفسه، إذ هو معنى نقص ومعابة، وليس من جنس النعم المتقدمة.
وهذا النوع مطرد في فصاحة القرآن كثيرا، ألا ترى إلى تقديم فعل البشر في قوله تعالى:
* (فلما زاغوا عنه أزاغ الله قلوبهم) *! وتقديم فعل الله في قوله تعالى: * (ثم تاب عليهم ليتوبوا) *; وإنما قال الخضر في الثانية: * (فأردنا) *، لأنه قد رواه الله وأصحابه الصالحون، وتكلم فيه في معنى الخشية على الوالدين، وتمنى التبديل لهما; وإنما أسند الإرادة في الثالثة إلى الله تعالى لأنها أمر مستأنف في الزمن الطويل، غيب من الغيوب، فحسن إفراد هذا الموضع بذكر الله تعالى:
ومثله قول مؤمني الجن: * (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض