الثاني: أن مراتب الإضاءة مختلفة متنوعة، فذكر " كلما " تنبيها على ظهور التعدد وقوته لوجوده بالصورة والنوعية، والإظلام نوع واحد فلم يؤت بصيغة التكرار لضعف التعدد فيه، بعدم ظهوره بالنوعية، وإن حصل بالصورة.
الثالث: قاله الزمخشري، وفيه تكلف - أنهم لما اشتد حرصهم على الضوء المستفاد من النور، كانوا كلما حدث لهم نور تجدد لهم باعث الضوء فيه، لا يمنعهم من ذلك تقدم فقده واختفاؤه منهم، وأما التوقف بالظلام فهو نوع واحد.
وهذا قريب من الجواب الثاني، لكنه بمادة أخرى. ويفترقان بأن جواب الزمخشري يرجع التكرار فيه إلى جواب " كلما " لا إلى مشروطها الذي يليها ويباشرها، فطلب تكراره - وهو الأولى في مدلول التكرار، والجواب المتقدم يرجع إلى تكرار مشروطها، يتبعه الجواب من حيث هو ملزومه، وتكرره فرع تكرر الأول.
الرابع: أن إضاءة البرق منسوبة إليه وإظلامه ليس منسوبا إليه، لأن إضاءته هي لمعانه، والظلام أمر يحدث عن اختفائه; فتظلم الأماكن كظلام الأجرام الكثائف، فأتى بأداة التكرار عند الفعل المتكرر من البرق، وبالأداة التي لا تقتضي التكرار عند الفعل الذي ليس متكررا منه، ولا صادرا عنه.
الخامس: ذكره ابن المنير - إن المراد بإضاءة البرق الحياة، وبالظلام الموت، فالمنافق تمر حاله في حياته بصورة الإيمان، لأنها دار مبنية على الظاهر، فإذا صار إلى الموت رفعت له أعماله، وتحقق مقامه، فتستقيم " كلما " في الحياة، و " إذا " في الممات، وهكذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم أحيني ما دامت الحياة خير لي، وأمتني إذا كانت الوفاة خيرا لي " فاستعمل مع الحياة لفظ التكرار والدوام، واستعمل مع لفظ الوفاة لفظ الاختصار والتقييد.