والثاني: إهلاكهم في الدنيا وتبديل أمثالهم; فيكون كقوله: * (إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين) *، فإن كان المراد في الدنيا، وجب أن يجعل هذا بمعنى " إن " الشرطية; لأن هذا شئ لم يكن، فهي مكان " إن "، لأن الشرط يمكن أن يكون وألا يكون، ألا ترى إلى ظهورها في قوله تعالى: * (إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين) *، * (إن نشأ نخسف بهم الأرض) *، وإنما أجاز ل " إذا " أن تقع موقع " إن " لما بينهما من التداخل والتشابه.
وقال ابن الجويني: الذي أظنه أنه يجوز دخولها على المتيقن والمشكوك، لأنها ظرف وشرط، فبالنظر إلى الشرط تدخل على المشكوك، ك " إن "، وبالنظر إلى الظرف تدخل على المتيقن كسائر الظروف.
وإنما اشترط فيما تدخل عليه إن " أن " يكون مشكوكا فيه; لأنها تفيد الحث على الفعل المشروط لاستحقاق الجزاء، ويمتنع فيه لامتناع الجزاء، وإنما يحث على فعل ما يجوز ألا يقع، أما ما لابد من وقوعه فلا يحث عليه. وإنما امتنع دخول " إذا " على المشكوك إذا لحظت فيها الظرفية، لأن المعنى حينئذ التزام الجزاء في زمان وجود الشرط، والتزام الشئ في زمان لا يعلم وجود شرط فيه ليس بالتزام. ولما كان الفعل بعد " إن " مجزوما به يستعمل فيه ما ينبئ عن تحققه، فيغلب لفظ الماضي، كقوله:
* (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة) *، فجئ ب " إذا " في جانب الحسنة، وب " إن " في جانب السيئة; لأن المراد بالحسنة جنس الحسنة، ولهذا عرفت، وحصول الحسنة المطلقة مقطوع به، فاقتضت البلاغة التعبير ب " إذا " وجئ ب " إن " في جانب السيئة، لأنها نادرة بالنسبة إلى الحسنة المطلقة، كالمرض بالنسبة إلى الصحة، والخوف بالنسبة إلى الأمن.