وفيه جواب عن سؤال مقدر; وهو أنه: لم لا يجوز أن يكون المؤثر فيه طبائع الفصول وحركات الشمس والقمر؟ ولما كان الدليل لا يتم إلا بالجواب عن هذا السؤال; لا جرم كان مجال التفكر والنظر والتأمل باقيا. إنه تعالى أجاب عن هذا السؤال من وجهين:
أحدهما أن تغيرات العالم الأسفل مربوطة بأحوال حركات الأفلاك، فتلك الحركات حيث حصلت; فإن كان حصولها بسبب أفلاك أخرى لزم التسلسل، وإن كان من الخالق الحكيم فذلك الإقرار بوجود الإله تعالى، وهذا هو المراد بقوله تعالى: * (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) *، فجعل مقطع هذه الآية العقل; والتقدير كأنه قيل: إن كنت عاقلا فاعلم أن التسلسل باطل، فوجب انتهاء الحركات إلى حركة يكون موجدها غير متحرك، وهو الإله القادر المختار.
والثاني أن نسبة الكواكب والطبائع إلى جميع أجزاء الورقة الواحدة والحبة الواحدة واحدة. ثم إنا نرى الورقة الواحدة من الورد أحد وجهيها في غاية الحمرة، والآخر في غاية السواد، فلو كان المؤثر موجبا بالذات لامتنع حصول هذا التفاوت في الآثار، فعلمنا أن المؤثر قادر مختار، وهذا هو المراد من قوله: * (وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون) *، كأنه قيل: قد ذكرنا ما يرسخ في عقلك أن الموجب بالذات والطبع لا يختلف تأثيره، فإذا نظرت إلى حصول هذا الاختلاف علمت أن المؤثر ليس هو الطبائع، بل الفاعل المختار، فلهذا جعل مقطع الآية التذكر.