واعلم أنه حيث قصد التخلص فلا بد من التوطئة له; ومن بديعه قوله تعالى: نحن نقص عليك أحسن القصص) * يشير إلى قصة يوسف عليه السلام. فوطأ بهذه الجملة إلى ذكر القصة; يشير إليها بهذه النكتة من باب الوحي والرمز. وكقوله سبحانه موطئا للتخلص إلى ذكر مبتدأ خلق المسيح عليه السلام: * (إن الله اصطفى آدم ونوحا...) * الآية.
* * * ومنها قوله تعالى: * (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) *; فإنه قد يقال: ما وجه اتصاله بما قبله، وهو قوله: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) * النبي الآية؟ قال الشيخ أبو محمد الجويني في تفسيره:
سمعت أبا الحسين الدهان يقول: وجه اتصالها هو أن ذكر تخريب بيت المقدس قد سبق، أي فلا يجرمنكم ذلك واستقبلوها، فإن لله المشرق والمغرب.
ومنها قوله تعالى: * (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت...) * الآية; فإنه يقال: ما وجه الجمع بين الإبل والسماء والجبال والأرض في هذه الآية؟ والجواب أنه جمع بينهما على مجرى الإلف والعادة بالنسبة إلى أهل الوبر; فإن كل انتفاعهم في معايشهم من الإبل، فتكون عنايتهم مصروفة إليها; ولا يحصل إلا بأن ترعى وتشرب; وذلك بنزول المطر; وهو سبب تقلب وجوههم في السماء; ثم لابد لهم من مأوى يؤويهم، وحصن يتحصنون [به]; ولا شئ في ذلك كالجبال; ثم لا غنى لهم - لتعذر طول مكثهم في منزل - عن التنقل من أرض إلى سواها; فإذا نظري البدوي في خياله وجد صورة هذه الأشياء حاضرة فيه على الترتيب المذكور.